التقليد الأعمى

ويزداد خطر هذا الانهيار عندما يتفاعل في عملية التقليد الأعمى كلا الفئتين (الشاب والفتاة) عندها يكون زلزالاً مدمراً في عالمنا المسلم الملتزم، الذي نشأ على المبادئ النبيلة.

إن لكل أمة نصيبا من القوة بمقدار رصيدها من شبابها وفتوتها، فإن سطع نجم شبابها كانت من الأمم المتقدمة الفتية، وإن خبتْ شعلتهم حالت إلى أمة هرمة عجوز يدق ناقوس الخطر بزوالها.

والأمر الأعظم في ذلك أن تهور الأمة متعلق بتهور عنصر الشباب، وهذا ما نراه في عصرنا الحالي من انهيار كبير في طبقة شبابنا المسلم باتجاه تبعية ليس لها أي تبرير إلا التقليد الأعمى.

فترك شبابنا إرثهم العظيم من التدين والأخلاق والقيم، في سبيل الحصول على جديد مستورد، يجهلون حاله ويألفون بريقه الحديث الفتّان.

فأدى ذلك إلى انهيار كبير في طبقة فعالة في مجتمعاتنا المسلمة، انهيار في طبقة الشباب.
التبعية أشد فتكاً بالنساء: ويزداد خطر هذا الانهيار عندما يتفاعل في عملية التقليد الأعمى كلا الفئتين (الشاب والفتاة) عندها يكون زلزالاً مدمراً في عالمنا المسلم الملتزم، الذي نشأ على المبادئ النبيلة والقواعد الراسخة المنضبطة.

وأسباب انزلاق النساء في التبعية أكثر من الرجال هو: أنه أجريت العديد من الدراسات فأشارت إلى أن في هذه العصور يزداد عنصر الإناث على الذكور بنسب مخيفة، نتيجة فقدان الرجال في الحروب، وحوادث العمل، والاعتقالات السياسية والجرائم.

والسبب الآخر: نتيجة لسذاجة شريحة من النساء، وضعف إدراكها، وقلة خبرتها، ومحدودية تفكيرها، وعقليتها العاطفية، ولشدة غيرتها، وحرصها على تقليد الغير أكثر من الرجل، فينال صنف الإناث الحظ الأكبر من هذا الانحطاط التبعي الأخرق.
نساؤنا في الماضي: لقد كانت نساؤنا قديماً لا تعرف غير خدورهن وبيوتهن، فلا يخرجن إلى الأسواق إلا نادراً، أما المدارس فكانت المعلمات تقوم برعاية وتعليم البنات في البيوت فيما يعرف بالكُتَّاب والخُجا، ثم في مدارس بدائية محافظة.

وكانت القابلات ثم الطبيبات تطبب النساء والفتيات، وعندما تتأهل البنت لا ترى في الدنيا إلا أربعة رجال أباها وأخاها بداية، ثم زوجها وبعده ابنها.
فكانت الحياة الزوجية في تلك العصور من أطهر وأسمى العصور فلا تجد حالات الخلاف الزوجية إلا كما يكون من الملح في الطعام، وكان القضاة قلما يجدون قضية طلاق أو نفقة أو خلع يتسلون بها.
وبدأ كل ذلك يتبدد من خلال خطط الاستخراب ( الاستعمار) على بلادنا، وما حملوه لنا من عوامل وأسباب الفساد، وبكافة أنواعه.
دخول “المفسديون” (التلفاز) إلى البيوت الآمنة، ومعه شتى أصناف الفساد والضلال، فأخرج بناتنا من تلك الحياة الرصينة الرزينة العفيفة إلى انفتاح مفضوح ليس له حدود، فأخذن منه كل جديد مسموم، وكان كثيراً ما يبث السفور والخلاعة، فكأن الذي اخترع التلفاز اشترط وحلف ألا يُنشر فيه إلا الفسق والفجور (وهذا بعيد)، أو أن القائمين على تلك الأجهزة يجاهدون في حشوها بما يخرب العقول، ويطعن في الدين، ويسمم الأخلاق، ويغير الثقافة والعادات ببلادنا (وهو الأصح).  وبسبب تلك الأفكار المخرّبة المتلفزة، نمت الخلافات والمشاكل العائلية شيئاً فشيئا، فقلما تجد حياً إلا وقد فشت في بيت من بيوته حالة فراق أو طلاق، إضافة إلى الضرب.

الصحون الفضائية: لقد فُتن شعبنا الشامي في الماضي بأربع قنوات مُتلفزة (الشام الأولى والثانية، والأردن الأولى والأجنبية)، ثم جاء طاعون جديد ووباء آخر، دخل بلادنا باسم (الدش أو الستلايت أو الصحون الفضائية)، ففُتحتْ علينا صنابير من حمم جهنم، فلا نرفع رأسنا من لكمة الأولى حتى تلحقنا لطمة من الثانية، فرفسة من هنا، وصفعة من هناك.
وهكذا صارت حياتنا سُكْراً ما بعده سُكْر، بل إن السكران يفيق بعد حين إذا تاب أو أفلس أو مرض، أما سُكْرنا فهو دائم ومجاناً، فالقنوات تتهافت علينا بعروض مغرية، حتى غدونا لا نستيقظ إلا مخمورين، عيوننا مُخَوِّخة منتفخة من البحلقة طوال الليل في القنوات، فجاءت التبعات بأن كثر الطرد من العمل، والتسرب من المدرسة، وارتفعت نسب رسوب الطلاب، ونشوز الأزواج والزوجات، وتفشى بينهم مرض عدم القناعة بما قسم الله لكل منهما، إضافة إلى فساد الأجيال، وتأخر البلاد في الاقتصاد، بل في كل مجالات الحياة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها