الهجرة وأباطيل يجب أن تصحح

للأسف الشديد نُسجت حول هذا الحدث الكثير من الأباطيل التي تربينا عليها منذ الصغر حتى أصبحت بمثابة ثوابت ومسلمات ترسخت في أذهاننا.

محمد عبد العظيم

الهجرة، الحدث الأجلُّ والأعظم في تاريخ الإسلام، الحدث الذي تحول بعده المسلمون من الضعف إلى القوة ومن الدفاع إلى الهجوم ومن الحصار والإهانة إلى الفتح والسيادة ولعظم هذا الحدث وأثره على الأمة اتخذه المسلمون بداية لتاريخهم وانطلاقة لتسطير أمجادهم. وللأسف الشديد نُسجت حول هذا الحدث الكثير من الأباطيل التي تربينا عليها منذ الصغر حتى أصبحت بمثابة ثوابت ومسلمات ترسخت في أذهاننا ومن هذه الأباطيل التي دُست في كتب السيرة:

طلع البدر علينا !!!

من القصص المشهورة التي تربينا عليها قصة استقبال الصحابة للنبي في يثرب عند قدومه إليهم وترديدهم للأبيات المشهورة طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. إلخ  

والحقيقة أن الصحابة استقبلوا النبي بالفعل، ولكن ما ورد عن ترديدهم هذه الأبيات ورد في حديث عبيد الله ابن عائشة وهو حديث موضوع غير صحيح كما ورد في السيرة النبوية الصحيحة لأكرم العمري، والصحيح هو ما ذكره البخاري” عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم خرج الغلمان والخدم وهم يرددون الله أكبر جاء رسول الله ”. كما أن الأبيات ذكرت كلمة المدينة وهي لم تكن قد أطلقت على المدينة بعد بل كانت تسمى يثرب.

هجرة عمر !!!

دعوني أبدأ بهذا السؤال الذي نتفق جميعاً على إجابته، هل كان عمر أكثر شجاعة من النبي ليهاجر علانية ويهاجر النبي سراً؟!  بالطبع لا. ما ذُكر عن هجرة عمر رضي الله عنه جهراً هو كلام موضوع منكر، والصحيح ما ورد في حديث البخاري أن عمرًا دخل المدينة مع عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التقوا جميعهم في الطرقات كل منهم قد خرج سراً، وأيضاً حديث التناضب الذي رواه عبد الله بن عمر عن أبيه وهو أكبر دليل على هجرة عمر سرا.

أسماء وأبو جهل !!!

القصة التي وردت عن لطم أبو جهل لأسماء ذكرها ابن اسحاق وملخصها أن أبا جهل دخل على أسماء وسألها عن أبيها فلم تجبه فلطمها وشج وجهها، وقد أجمع العلماء على بطلان هذه القصة، وعدم صحتها لأنها لم ترد إلا عن طريق ابن اسحاق، وابن اسحاق قد نقلها عن مجهولين فقال الذهبي عنه ”لقد حشا السيرة بالأشياء المنكرة”، وقال عنه المزي في تهذيب الكمال أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة  على فراش النبي !!!

مبيت علي في فراش النبي

ومن الأمور التي اختلف فيها العلماء حقيقة، مبيت عليّ رضى الله في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، ويبقى السؤال مادام الله قد أعمى عيون الكفار أثناء خروج النبي، ما الداعي أن يبيت أحد مكانه صلى الله عليه وسلم أما كان يكفي أن يضع النبي أي شيء مكانه.  

أليس في هذا الأمر مخاطرة بعلي، فلربما دخل عليه المشركون وقتلوه قبل أن يكشفوا عنه الغطاء كل هذه أمور يطرحها العقل ولهذا فقد شكك الكثير من العلماء في صحة الرواية، وأنا هنا اكتفي بما ذكره الشيخ عبد العزيز الطريفي وأكرم ضياء العمري في السيرة النبوية الصحيحة بأن هذه القصة لا تصح إطلاقاً، فقد رواها عبد الرزاق في مصنفه عن عثمان الجزري وهو ممن ينقلون عن مناكير ومجهولين ولم يرد بها نص ثابت.

الشيخ النجدي!!

من القصص التي انتشرت في الهجرة قصة الشيخ النجدي، وتقول القصة أن إبليس حضر اجتماع قريش في دار الندوة على هيئة شيخ نجدي إلخ، وهذه قصة مختلقة فاجتماعات دار الندوة كان لا يحضرها إلا قادة قريش وسادتها فقط فكيف يسمحون لرجل غريب أن يحضر معهم.

أما تحقيق القصة فقد أوردها ابن اسحاق ورواها عن مجهولين كما ذكر الذهبي، وكما قال فيها الحافظ ابن حجر أنها قصة مختلقة وليس لها أي سند إلا عن ابن اسحاق والواقدي والاثنين روايتهما متروكة.

أبو بكر والثعبان!!

من القصص التي طالما سمعناها بها قصة لدغ الثعبان لأبي بكر عند دخوله الغار، وهذه الرواية رويت عن عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي وفرات السائب، وهم ممن قال فيهم الذهبي في الميزان لا تصح روايتهم، وقال البخاري عنهم في هذه الرواية “روايتهم منكرة” كما أن الله تكفل لنبيه وصاحبه بحفظهما فكيف يصيب أحدهم أذى.

دليل النبي !!

ذكرت بعض الروايات استعانة النبي صلى الله عليه وسلم بأحد المشركين ليكون دليله ومرشدهم في الطريق، والحقيقة أن العلماء قد اختلفوا حول هذه الرواية وضعفها بعضهم لمعارضتها للمنطق وأسس التخطيط السليم، فالنبي وأبو بكر كانوا من أشهر تجار العرب ومن المعروف أن التجار هم أكثر الناس خبرة ودراية بالطرق، كما أن هذه العملية الخطيرة تتطلب الحذر الشديد حتى من الأقارب، فما بالكم برجل ليس مسلماً حتى وإن كان أمينا كيف يسلمه النبي سره بهذه السهولة؟، والحقيقة على الرغم من أني غير مقتنع بالرواية إلا أنني لم أقف على سند ثابت ينفيها غير بعض الآراء المرسلة لبعض العلماء.

الحمامة والعنكبوت!!

قصة الحمامة والعنكبوت قصة موضوعة ويكفي أن نستحضر حديث الصديق مع النبي: “لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا”، فلو كانت هناك الحمامة والعنكبوت ما قال الصديق هذه المقولة لأنهم سيحجبون عن المشركين الرؤية.

كما أن الحمامة لا تضع بيضها إلا في مكان فيه حياة وماء وبشر، وبالتالي وجود الحمامة يلفت الانتباه لا يصرفه، كما ضعف الألباني هذه القصة من الأساس في سلسلته ٣/٢٦٠ وأنكرها البخاري.

تراب على رؤوس الكفار !!

من الأكاذيب التي رويت أن النبي خرج ووضع التراب على رؤوس الكفار، وهذا غير صحيح فقد قدرت الروايات التي ذكرت هذه القصة أن عدد المشركين كانوا أربعين، فهل يتوقف النبي ويأخذ التراب ويمر على كل واحد ويضع عليه التراب، ولماذا يفعل ذلك وقد اغشاهم الله له “فأغشينهم فهم لا يبصرون” حجب أبصارهم عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً هذه الرواية أوردها ابن اسحاق في نفس سياق رواية الشيخ النجدي ولذلك فقد أصابها ما أصاب الرواية السابقة من ضعف.

هذه كانت إطلالة مختصرة حول بعض الأكاذيب والاباطيل التي دُست في كتب السيرة والتي يجب أن يكون لنا وقفة معها.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها