ذكرى إعدام أديب الحركة الإسلامية

عندما جاؤوا له بشيخ يلقنه الشهادة قبل إعدامه فابتسم قطب رحمه الله ابتسامة ساخرة وقال: “يا هذا أنتم تأكلون بلا إله إلا الله، أما نحن فنموت من أجلها”.

سأله أحد رفاقه: لماذا كنت صريحا في المحكمة التي تمتلك رقبتك ؟، قال: “لأن التورية لا تجوز في العقيدة، وليس للقائد أن يأخذ بالرخص”، ثم قال رحمه الله متعجباً عندما طلبوا منه أن يعتذر للرئيس أو يطلب منه الرحمة، “استرحم من؟! إن كنت محكوما بحق فأنا أول من يرتضي الحق، وإن كنت محكوما بباطل فأنا أكبر من أن استرحم الباطل”

هكذا كانت آخر كلمات صاحب الظلال سيد قطب ـ رحمه الله ـ الذي تحل علينا اليوم ذكرى استشهاده الحادية والخمسون، فمن هو سيد قطب ؟! وكيف كانت نشأته وحياته العلمية ؟! وماذا قدم للإسلام؟!  وكيف كان استشهاده؟!  

عن سيد قطب 

ولد سيد قطب في قرية موشي التابعة لمحافظة أسيوط يوم ٦ أكتوبر ١٩٠٦ وتعلم في قريته ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بالمدرسة الثانوية وبعدها كلية دار العلوم التي تخرج منها عام ١٩٣٣، وبعد تخرجه عمل مدرسا ومفتشا بوزارة المعارف المصرية وفي عام ١٩٤٨ أرسلته الوزارة في بعثة إلى أمريكا للاطلاع على مناهج التعليم وبقي فيها سنتين ثم عاد بعد ذلك إلى مصر عام ١٩٥٠.   

بدايته الأدبية 

كان قطب شديد التأثر بالعقاد فقد كان العقاد بمثابة أستاذه الأول وهذا ما جعل سيد قطب ينضم لحزب الوفد الذي كان العقاد أحد رموزه، وبدأ قطب ـ رحمه الله ـ يعبر عن موهبته الأدبية الفذة عن طريق كتاباته، فألف “شخصيات، وطفل في القرية، والتصوير الفني في القرآن”.   

قطب والحركة الإسلامية

يقول المستشار عبدالله العقيل في كتابه أعلام الحركة الإسلامية،  ذهبنا لزيارة  سيد قطب بعد عودته من أمريكا فروى لنا كيف عمت الفرحة  الولايات المتحدة حين سماعهم بمقتل حسن البنا وحين تساءل عن الأمر قالوا له:” إن عدو أمريكا قد قتل في مصر”، وهذا الموقف كان له أثر بالغ في التقارب من الإخوان المسلمين بعد عودته لمصر، وقد انضم سيد قطب لحركة الإخوان المسلمين فعلياً عام ١٩٥٣ عندما تولى مسؤولية قسم الدعوة بالجماعة ، وقد حاول عبدالناصر جاهداً أن يثنيه عن ذلك ويضمه لهيئة التحرير التي أنشأها ولكن فكرة الإخوان قد تملكت منه فلم يفلح عبدالناصر، ومنذ ذلك الوقت أصبح قطب منظر ومفكر الحركة الإسلامية ، وقد قدم رحمه الله خدمات جليلة للإسلام والمسلمين.  

أعماله وكتاباته

ترك سيد قطب رحمه الله إرثاً ثقافياً هائلاً وثروة أدبية زاخرة اقتطع لها من حياته ورواها بدمه وقد صدق عندما قال: ستظل كلماتنا عرائس من شمع فإذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وهو قد مات بالفعل في سبيل ما كتب فكتب الله لكتاباته البقاء والخلود ومن أهم ما كتب، في ظلال القرآن، خصائص التصور الإسلام، معالم في الطريق، العدالة الاجتماعية في الإسلام، المستقبل لهذا الدين، مشاهد القيامة في القرآن، النقد الأدبي أصوله ومناهجه، التصوير الفني في القرآن، وغير ذلك كثير.

اعتقاله واستشهاده

بدأ أول خلاف حقيقي بين سيد قطب ومجلس قيادة الثورة عام ١٩٥٤ بعد انقلاب عبدالناصر على محمد نجيب وتفرده بالحكم وعلى إثر هذا الخلاف تم اعتقال قطب لأول مرة ١٩٥٤، وأفرج عنه بعد شهرين ثم أعيد اعتقاله في نفس العام بعد الحادث الذي عرف تاريخياً بحادث المنشية ثم أُفرج عنه عام ١٩٦٤، وفي ٩ أغسطس تم القبض على سيد قطب للمرة الثالثة بتهمة محاولة قلب نظام الحكم في القضية المعروفة تاريخياً بقضية التنظيم الخاص، وأصدرت المحكمة التي كان يترأسها فؤاد الدجوى حكماً بإعدام سيد قطب وقد ارتج العالم العربي والإسلامي لهذا الحكم وتواردت على مصر البرقيات من رؤساء العالم الإسلامي تطالب النظام المصري بوقف الحكم وكان أبرزها برقية الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود إلا أن عبدالناصر احتال على هذه البرقيات، ونفذ الحكم ثم أرسل اعتذارا للملك فيصل بأن البرقية لم تصله إلا بعد تنفيذ الحكم، وقد عمت حالة من الحزن في الأقطار الإسلامية من مشارقها لمغاربها  لفقدان الأمة الإسلامية أحد أعظم رموزها ومفكريها.

بعض من أقواله الخالدة

سطر التاريخ بمداد من نور كلمات هذا المجاهد وخلدها في صفحاته ولأن المجال لا يتسع لذكرها كلها فقد اقتبست لكم بعضًا مما قاله صاحب الظلال رحمه الله: “إن الكلمات التي ولدت في الأفواه وقذفت بها الألسنة ولم تتصل بالنبع الإلهي الحي قد ولدت ميتة”

“إن هذا القرآن لا يعطي سره إلا لمن يخوضون به المعركة ويجاهدون به جهادا كبيراً”

“إن أصبعي السبابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة تأبى أن تكتب كلمة واحدة تقر بها لحاكم طاغية”

وأخيراً أختم بآخر كلماته رحمه الله عندما جاؤوا له بشيخ يلقنه الشهادة قبل إعدامه فابتسم قطب رحمه الله ابتسامة ساخرة وقال: “يا هذا أنتم تأكلون بلا إله إلا الله، أما نحن فنموت من أجلها”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها