رئة دمشق الجنوبية (2)

عانى الأهالي أسوء مراحل الجوع والكرب والهزال والأمراض والأوبئة، وقد وصلت بهم الفاقة إلى استباحة لحوم القطط والكلاب، وعاشوا شهوراً طويلة على حساء الماء والبهار، أو خبز العدس إن وجد.

مرارة الحصار

ثلاث سنوات مضت والحصار الظالم يذيق تلك المنطقة الصابرة الويلات (قبل المصالحات الوهمية)، وفي كل يوم يشتد الخناق حول رقبة الأهالي ليرفعوا الراية البيضاء، فلا طعام ولا شراب يدخل المنطقة فالحواجز اللعينة مغلقة، ولا علاج ولا حبة دواء، فتضطر النساء لإخراج الأولاد إلى مناطق النظام للعلاج بعد أن تدفع الغالي والرخيص لمافيات الحواجز، عدا ذل التفتيش والمضايقات، ولا كسرة خبز ولا حليب أطفال حتى التصقت بطون الرُضّع بظهورهم من شدة الجوع والمرض، ولا كهرباء ولا شبكات هاتف فضلاً عن شبكات الإنترنت، حتى أنهم تحكّموا بمناهل ماء الشرب فيقطعوها ساعات مديدة وأحياناً أيام كاملة، مما يدفع الأهالي لشراء صهاريج الماء بأثمان عالية.

ولا أي شيء يوحي إلى وجود الحياة فيها، وقد عانى الأهالي أسوأ مراحل الجوع والكرب والهزال والأمراض والأوبئة، وقد وصلت بهم الفاقة إلى استباحة لحوم القطط والكلاب، وعاشوا شهوراً طويلة على حساء الماء والبهارات، أو حساء أوراق الشجر التي خرّشتْ أشداقَهم، أو خبز العدس إن وجد، وكل ذلك وأكثر وأهلها صابرون محتسبون، يُصدِّرون الدروس البطولية والعِبر الحية لكل شعب حرٍ أراد العيش بعزة وكرامة، ويُعلِّمون العالَم كيف يكون المؤمن صابراً قوياً دون يأس أو ملل ليبلغ هدفه في نيل حريته.

وبعد ذلك خذلتهم معظم الحكومات الإسلامية والعالمية والعربية إلا من رحم ربي، فهي بِدور المشاهد المصفق، أو المتعامي المتغافل، أو المحرض المغرض، أو المتباكي الذليل.

أساليب الظالم

لقد جرب النظام النازي كل ما يملك من وسائل، وكل ما استورده من الأنظمة الهمجية في العالم، بأسلحته الثقيلة  والمحرمة لقهر هِمَم هؤلاء العمالقة الأبطال، فأثبتوا له أن سلاحهم أقوى وأمضى بكثير مما يُعده النظام المجرم.

ومن أدوات الفتك والإجرام المستخدمة من قبل نظام بشار:

 القصف العشوائي الذي يستهدف الأطفال والشيوخ والنساء والمدارس والمشافي الميدانية والأسواق وأفران الخبز فهي عشوائية في الاسم فقط، ولكنها دقيقة الإصابة على الأرض لاستهدافها المدنيين تحديداً.

 التهجير الممنهج الذي يطال أهل السنة حصراً دون غيرهم.

 الاعتقالات التي ليس لها أي خطوط حمراء وليس لها أي حدود.

التجويع عبر إغلاق المعابر في وجه المواد الغذائية والضروريات.

الحصار الخانق الذي يحكم على عشرات الألوف بالإعدام البارد.

التشويه المتعمد لشخصيات نظيفة الكف مشهورة في المنطقة بشتى وسائل الدعايات المفتراة.

الاغتيالات الموجهة لقادة الفصائل والشيوخ والرموز المحبوبة التي تحظى بشعبية واسعة.

زرع الفتن بين المدنيين والمجاهدين، وبث القلاقل بين الفصائل.

نشر جميع أنواع الفساد في المناطق المحررة، عبر شبكات من العملاء الذين يستغلون حاجات الناس.

الابتزازات وذلك بخطف الأقارب (وخاصة النساء) وطلب الفدية إما المال، أو أن يُسلِّم ذوي المختطف نفسه للنظام إن كان من المعارضين أو المجاهدين.

دعم الفصائل الإرهابية في المنطقة كتنظيم الدولة (داعش) وتحريضه على الفصائل المعتدلة.

الوعود الكاذبة لأهالي المعتقلين. إلى غير ذلك من أساليب الوحشية.

لعنة المصالحات والهدن

لقد فشلت جميع ممارسات النظام النصيري الاستئصاليّة في تركيع المنطقة بالقوة، إلى أن أخرج ورقته الأخيرة في أساليب المراوغة والكذب والخداع، فبعد فشله في البطش والتدمير أخذ يجرب سلاح المفاوضات العبثية، والهدن الخُلّبيّة، عبر أذنابه السماسرة من متمشيخين عملاء مرتزقة، وتجار خونة، ففشِل في البداية دون جدوى، فجميع من في هذه المنطقة خَبروا النظام أنه كاذب أفّاك. فقام بشد الخناق حول أعناق الأهالي في الحصار من جهة، وإرسال الوساطات من المتمشيخين المخادعين من جهة أخرى.

فإذا بلغ الحصار غايته، ووصلت الروح إلى الحلقوم، وضاقت الأرض على أهلها بما رحبت، وقد بلغت المشقة ذروتها، قبلوا الدخول في مقامرة الهدن مجبورين، وبعدها دخلت المنطقة في جحر مظلم، دهليزه طويل منتن دون مخرج، جحر المصالحات أو الهدن، بعد أن مَصّ الحصار دماءهم، وفَتّ عظامهم، وآذاب لحومهم، وكوى قلوبهم، فأصبحوا كالأشباح بصورة إنسان، فكيف يرى الرجلُ أبناءَه يموتون أمامه أو يكادون وهو يعاين ذلك المشهد وليس بيده ما يُنجدهم إلا القبول بشروط المجرم المتفرعن وهاماناته المتمشيخين ؟!

ملاحظة:

أيها الأخوة قد تستغربون من إنكاري لكلمة مصالحة أو كلمة هدنة أو كلمة مفاوضات، وهذه الكلمات التي تحمل في طيّاتها إيقاف القتل عموماً شيء مطلوب لحقن الدماء بالمفهوم الدولي والإنساني، واللجوء إلى التفاوض والمسالمة، ولكن إنكاري لها لا لذاتها بل لمن يستخدمها، فالنظام السوري شقيق اليهود في الغدر والخداع ونقض العهود والكذب، وأظنه أكثر خبثاً ونجاسةً وعهراً وصهينةً منهم، فلو قمت (مثلاً) بغسل النظام النصيري مائة مرة ثُلثها بالتراب لحصلت على بني صهيون. ولو أنك ضاعفت سياسة اليهود مئة مرة لحصلت في النتيجة على سياسة النظام السوري الخبيثة، وقد خَبِرَ السوريون هذا النظام من خلال طرقه وألاعيبه وخداعه، فلا يَصدق في كلمة ولا يفي بعهد ولا يؤمَن جانبه، وهذا هو سبب إنكاري لهذه المفاوضات والمصالحات والهدن الكاذبة.

الشيعة ومنطقة السيدة زينب

لقد مرت فترة على الشيعة الغاصبين المحتلّين، باتوا في أمرِّ أيامهم وأشدها، وقد كَثُر عويلهم، والخوف كاد يقتلهم عندما علموا بانتصارات المجاهدين في درعا الأبية فسمعوا زئير أسود الإمام النووي، وهمهمة أبناء الإمام ابن كثير وأحرار درعا أخذوا يستجدون ويتوسلون نظام النصيرية وقادتهم في قم وكربلاء لنجدتهم مما سينزل بهم، فاستجاب لهم ذاك الروبوت النصيري، وأخذ يُحيك لعبة الكذب والعهر الإعلامي، فبدأ إعلامه البائس العاجز ببث التشويه والافتراءات حول المنطقة الجنوبية، مرة بإشاعة المفاوضات، ومرة الهدنة، ومرة الصلح، ومرة بتسليم المنطقة، إلى أن تحققت هذه الإشاعات بعقد مصالحة بين أهالي المنطقة الجنوبية والنظام.

 والآن ..الشيعة يعيشون عصرهم الذهبي بالرغم من أنهم ليس لهم أي تقدّم على الأرض لا من جهة الغوطة الشرقية ولا من جهة المنطقة الجنوبية المحاصرة، ولكن الأمان الذي حصلوا عليه بسلاح المصالحة جعلهم يتفرعنوا ويتنمردوا فالنظام بهذه الطريقة صَفّد المجاهدين وأطلق يد الشيعة. فباتت منطقة السيدة زينب اليوم مستنقعاً خصباً لجذب الشيعة من كل بلاد العالم وتجميعهم وتجهيزهم وتسليحهم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها