قراءة في حادث المنيا

لقد أمضيت ما يقرب من ثلاثين عاما محققا وقاضيا وما رأيت أكثر بلاهة مما ترتكبه عصابة الانقلاب من جرائم يكاد فيها المريب يقول خذوني ولا تخفى حقيقة مرتكبها عن فطنة أي محقق مبتدئ.

الحقيقة الغائبة بين الهواتف المسروقة… وأهداف الانقلاب.

لم يعد ينطلي على أحد ما تقوم به عصابة الانقلاب من أحداث لتبرر بها فشلها وجرائمها وتحقق أغراضها الدنيئة لقد فهم الأقباط في مصر أن الانقلاب قد استخدمهم ثم ها هو يضحى بهم ليصل إلى مراده.

لقد أمضيت ما يقرب من ثلاثين عاما محققا وقاضيا وما رأيت أكثر بلاهة مما ترتكبه عصابة الانقلاب من جرائم يكاد فيها المريب يقول: خذوني ولا تخفى حقيقة مرتكبها عن فطنة أي محقق مبتدئ.

وها هي أدلة ضلوعهم في ارتكاب الجريمة 

أولا: المجرم يعلن بصراحة عن نيته في التدخل العسكري في دولة مجاورة لتحقيق أطماعه ويصرح بأنه قد يجد مبررا يسوغ له ذلك هو “قتل الأقباط”، وقد أشار إلى ذلك صراحة قائد الانقلاب في إحدى خطبه لينفذ ما توعد به بذات الحجة التي أشار إليها فى خطابه السابق

ثانيا: الترويج الإعلامي لفكرة الإرهاب المحتمل الذي يهدد الأقباط من قبل من ينتمون إلى الفكر الإسلامي (لاحظ هنا أنه لم تقع حادثة قتل واحدة لأي مسيحي في عهد الرئيس محمد مرسي).

ثالثا: الأقباط يندفعون خلف البابا تواضروس لتأييد الانقلاب على أول تجربة ديمقراطية حقيقية شهدتها مصر خوفا مما روج له الانقلاب من إرهاب محتمل إن بقى الرئيس محمد مرسي في السلطة، وطمعا في مزيد من المكاسب والنعم كما وعدهم البابا تواضروس.

رابعا: الأقباط يدفعون الثمن ويستخدمون للمرة الثانية كمبرر لكسب التأييد الدولي للانقلاب، والانتقام من المعارضين وإساءة صورة الإسلاميين فتحدث تفجيرات بالكنائس بطريقة دراماتيكية يقتل على أثرها المئات والتهمة جاهزة للإسلاميين والرسالة واضحة للغرب بوجوب دعم وتأييد الانقلاب حتى يتمكن من محاربة الإرهاب.

خامسا: عدد كبير من الأقباط في الداخل والخارج يفطنون إلى اللعبة ويتهمون الانقلاب صراحة بالضلوع في ارتكاب تلك الجرائم للتغطية على فشله، وتحقيق أغراضه في الانتقام من معارضيه من الإخوان المسلمين الذين تربطهم بالأقباط علاقة طيبة ولم تحدث أي تفجيرات للكنائس أو استهداف للأديرة في عهد الرئيس محمد مرسي المحسوب عليهم.

سادسا: الأقباط يستخدمون للمرة الثالثة كورقة ضغط لتبرير التدخل الخارجي، والترويج لفكرة الإرهاب ولفت الانتباه عن فشل الانقلاب في إدارة البلاد فيقع حادث مروع يتم فيه استهداف حافلات تقل أبرياء يقتلون بدم بارد من قبل مجموعة مجهولة ملثمة ترتكب أفعالا غريبة تثير الريبة وتزيد الشكوك حول مرتكب الواقعة والتي يؤكد الكثير من الخبراء أنها غابت عن السلوك الإجرامي لمن يحترفون ارتكاب مثل تلك الواقعات

ومنها على سبيل المثال.

أ – معرفة الموعد واختيار مكان تنفيذ الجريمة

ب-ارتداء زي موحد بما يشبه أفلام الكاوبوى

ج-التصوير بكاميرا محترف للأحداث ومسرح الجريمة وعدم التركيز أثناء التصوير على مرتكبي الواقعة

د – سرقة متعلقات الضحايا وهذا سلوك لا تتبعه الجماعات الراديكالية أو ذات النهج المتطرف كما روج إعلام الانقلاب 

هـــ — سرقة هواتف الضحايا المحمولة وهى سقطة كبيرة تؤكد ضلوع الانقلاب في ارتكاب الواقعة حيث إنه من المعلوم للكافة أن الهواتف المحمولة يمكن تتبعها بالوسائل الحديثة والوصول إلى موقع من يحتفظ بها وتتبع حركتها حتى إذا تخلص من الشريحة فليس من المنطق والعقل أن تقوم جماعة على هذا القدر من الاحتراف والتنظيم الذى يروج له الانقلاب بارتكاب تلك السقطة القاتلة.

فالأمر إذن بات واضحا: الانقلاب يرتكب الجريمة ثم يلصقها في جماعة تنتمي لفكر إسلامي يصفه بالتشدد على نحو يسوغ له تحقيق أهدافا ثلاثة:

الهدف الأول: -الزج بالقوات المسلحة في حرب خارجية والتدخل في شؤون دولة مجاورة (ليبيا) لتحقيق أطماعه وتوفير البترول بذات حجته السابقة والتي سردها كمبرر عند رغبته في اتخاذ تلك الخطوة ” لاحظ هنا أن اتخاذ القرار بالهجوم المسلح على ليبيا قد تم دون الرجوع للبرلمان وبالمخالفة الصريحة لنص المادة 152 من دستور الانقلاب ذاته 2014 والتي نصت صراحة على أن: “رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة في مهمه قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء”. وهو ما ضرب به قائد الانقلاب عرض الحائط   لتحقيق هذا الهدف حيث قامت الطائرات المصرية بالإغارة على مدن ليبية معارضة لحليفه اللواء / خليفة حفتر بحجة محاربة قيادة التنظيم الذي روج الإعلام أنه يقف خلف حادث قتل الأقباط في محافظة المنيا المصرية دون أي غطاء دستوري أو حتى دليل مادي أو مبرر يقبله العقل والمنطق لتبرير هذا الهجوم سوى تحقيق أهداف قائد الانقلاب!

الهدف الثاني: -تصدير فكرة محاربة الإرهاب للداخل والخارج لكسب الدعم والتأييد الخارجي وتبرير فشله في إدارة البلاد وقد شرعت كل وسائل إعلام الانقلاب في بث سمومها للتدشين لتلك الفكرة داخليا كما وجه قائد الانقلاب خطابا إلى الخارج بأنه ينوب عن العالم في محاربة الإرهاب لكسب وده وتأييده.

الهدف الثالث: -تصفية معارضيه والقضاء عليهم بعد تلفيق التهمة لهم …، ولايزال الشارع المصري الذى أصبح بكل طوائفه يعانى من فشل الانقلاب في إدارة شؤون البلاد، وأصبح أكثر وعيا وفهما لمخطط الانقلاب وأغراضه الدنيئة، وينتظر أن يعلن الانقلاب عن ضبط وتصفية مجموعة من الشباب من معارضي الانقلاب أغلبهم سبق اعتقاله والإبلاغ عن اختفائهم قسريا بمعرفة جهات الأمن بتهمة ارتكاب واقعة قتل الأقباط بتكليف من قيادة التنظيم الوهمي في دولة ليبيا التي دكت مدنها الطائرات المصرية.  ولن يفوته هنا أن يقدم الدليل للسذج على ارتكابهم للواقعة فمن المؤكد أنه ستكون بحوزة الضحايا الجدد من معارضي الانقلاب “بعض متعلقات الضحايا  والهواتف المسروقة” والتي لا تزال في حوزة المرتكب الحقيقي للواقعة حتى الآن.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها