تركستان الشرقية: رمضان لم يمر من هنا!

منذ سنوات يتم إجبار الموظفين والطلاب المسلمين على الإفطار في نهار رمضان، وتُحظر الصلوات، ويجبر المسلمون على بيع الخمور.

وصلهم الإسلام في العام 96 هـ / 715م، في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وفق ما ذكره ابن جرير الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك. إنهم مسلمو تركستان الشرقية.

فبعد أن انتهى القائد ” قتيبة بن مسلم الباهلي” من فتوحات آسيا الوسطى، اتجه ناحية الصين واستطاع أن يؤسس قاعدة جديدة للإسلام في منطقة تركستان التي بقيت خاضعة لنفوذ الممالك الإسلامية، حيث أسس الأتراك دولا متعاقبة في هذه المنطقة.

وقد عُرفت منطقة تركستان بأهميتها بين البلاد الإسلامية، حتى وصفها ياقوت الحموي في معجمه بأن بها “خصب يزيد عن الوصف ويتعاظم أن يكون في جميع بلاد الإسلام وغيرها مثله”، وهذه هي الأرض التي أنجبت الإمام البخاري والترمذي والفارابي.

وتنقسم تركستان حالياً إلى قسمين بعد اقتسامها ما بين الاحتلال الروسي من جهة والصيني من جهة أخرى، فأصبح هناك (تركستان الغربية) وهي المنطقة التي جرى تقسيمها بعد الاحتلال الروسي إلى ست جمهوريات هي: كازاخستان، قرغيزستان، أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، أذربيجان. وقد استقلت عن الاتحاد السوفيتي عقب تفككه في 1991م.

أما القسم الثاني فهو (تركستان الشرقية) الواقعة في وسط آسيا، تحدها من الشمال روسيا الاتحادية، ومن الغرب تركستان الغربية، وجنوبا باكستان وكشمير والتبت، ومن الشرق الصين الشعبية، ومن الشمال الشرقي منغوليا الشعبية، وهي بذلك تتمتع بموقع استراتيجي للتجارة العالمية إذ كان يمر بها طريق الحرير قديما.

خضعت تركستان الشرقية للاحتلال الصيني عدة مرات حتى أحكم قبضته عليها منذ العام 1949، وأطلق عليها اسم (إقليم شينكيانغ) أي المستعمرة الجديدة، وهي تمتد على مساحة تزيد على مليون وثمانمئة ألف كيلو متر مربع، وتتمتع بتوافر قدر كبير من الثروات الطبيعية، فهي غنية بالمعادن والفحم الحجري والحديد والكروم والنحاس، كما أنها تختزن احتياطياً كبيرا من النفط.

ويسكن تركستان ملايين المسلمين من الأعراق التركية من قوميات الكازاخ والقرغيز والأوزبك والطاجيك والمغول والتتار، وأغلبية من الأويغور الذين يتحدثون اللغة الأويغورية وهي أحد فروع اللغة التركية لكنها تُكتب بحروف عربية.

وتعد مدينة (كاشغر) من أهم مدن تركستان الشرقية، تزداد فيها الكثافة الأويغورية ويعتبر جامع “عيد كا” من أهم معالم هذه المدينة، وهو مسجد تاريخي بني في العام 1442 من الميلاد، تكتظ ساحته بالزوار وبالمسلمين في أيام العيد.

ومنذ احتلالها عام 1949، يعاني مسلمو تركستان الشرقية من عمليات سلخهم من هويتهم الإسلامية والتي تجري على قدم وساق، إذ جرى منع اللغة الأيغورية من التعليم وحلت بدلا منها الصينية، إلى جانب الاعتقالات الواسعة والمستمرة في صفوف المسلمين حتى إن تقديرات تشير إلى أن شخصا على الأقل من كل أسرة يقبع في السجون.

ففي أبريل/نيسان 2017 عقدت في مدينة خوتان محاكمة صورية لأكثر من 500 مسلم جرى خلالها الحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 5 إلى 30 سنة، وفي ذات المدينة تم الحكم على شخص يدعى “حبيب الله” بالسجن 35 سنة، وزوجته بالسجن 30 سنة، بتهمة إنشاء مدرسة سرية لتعليم الأطفال المسلمين أمور دينهم، كما حكم على سيدة في قرية (توساللي) بالسجن 17 سنة بتهمة إلقاء دروس دينية للسيدات، بينما واجه شخص آخر حكما بالسجن 10 سنوات بتهمة أداء صلاة التراويح.

هذا بالإضافة إلى سن القوانين التي تمس اللحى والملابس الإسلامية ومنع أصحابها من دخول المستشفيات ومحطات القطار وغيرها من الأماكن العامة، فضلا عن إجبار أئمة المساجد على المشاركة في مهرجانات للرقص، كما يتم تنظيم مهرجانات للخمور في مدن المسلمين، التي شهدت عمليات تغيير ديموغرافي واسعة.

ومؤخرا جرى إصدار قرار باستدعاء آلاف الطلاب الذين يدرسون في جامعات إسلامية بالخارج، واعتقال عائلاتهم لإجبارهم على قطع دراستهم والعودة إلى البلاد، حتى من استجاب منهم للقرار تم اقتياده إلى السجن. 

ومسلمو تركستان الشرقية محبون لإسلامهم؛ ففي رمضان يتبادلون الزيارات ودعوات الإفطار، ويقيمون صلاة التراويح بجزأين أو أربعة، ويجتمع الأقارب والجيران في البيوت ويقرأون أجزاء من القرآن يوميا وهو ما بات يتم سرا في أحيان كثيرة مع اتساع قبضة الاضطهاد الصيني بحقهم.

كما يتم منذ سنوات إجبار الموظفين والطلاب المسلمين على الإفطار في نهار رمضان،  وتُحظر الصلوات، ويجبر المسلمون على بيع الخمور، في أحيان كثيرة، فلم يعد أهل تركستان الشرقية يشعرون برياحين الشهر الفضيل، ولسان حالهم يقول: رمضان لم يمر من هنا!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها