لو كنت سنجابا

لو أنني خُـلقت سنجابا لظننت أن تلك الاشجار قد أنبتها الله لي، ولزعمت أن جميع هذه الأعمدة قد نصبها الانسان لتسهل علي القفز والتنقل من مكان إلى آخر.

من وحي ربيع قد أشرق أخيرا بعد شتاء طويل بارد حد التجمد جاءت هذه التدوينة الرمزية، لم تستند الى أي من الدراسات والأبحاث العلمية في سلوك الحيوانات، إنما هي سرد عبر عدد من الملاحظات والرؤى الشخصية تماما، عن السناجب وسلوكياتها، عن البشر وأطباعهم وذلك الرابط العجيب أتحدث.

لو أنني خُلقت سنجابا لظننت أن تلك الاشجار قد أنبتها الله لي، ولزعمت أن جميع هذه الأعمدة قد نصبها الإنسان لتسهل علي القفز والتنقل من مكان إلى آخر، ولم يكن ليراودني أدنى شك يوما ما بخصوص هذه الأسلاك المتشابكة بين أعمدة الكهرباء فهي لم تمد أصلا إلا من أجل الحفاظ على سلامتي.

لو كنت سنجابا لتابعت مسيرتي في الحياة دون تركيز وتيقن لا في الأشجار ولا الأعشاب ولا حتى في ثمار البندق والجوز والفاكهة، تلك التي سأجمعها ثم أخبئها في كل مكان وأي مكان ثم سأنساه سريعا.

لو أن الله قد صورني سنجابا لم أكن لآبه أبدا لسيارات ومركبات بني البشر حتى وإن تسبب ذلك بدهسي وموتي يوما ما، سأفاجئك دائما واقفا في منتصف الطريق متأملا في حركة السيارات القادمة باتجاهي وكلي ثقة بأنها سوف تتوقف لأتم طريقي على مهل، فأنا محور هذا العالم، أنا هو السنجاب في هذا الكون.

ومن حسن الطالع حقا أن الله لم يجعلني سنجابا، وإلا لكنت قد قضيت دهسا تحت عجلات سيارة مسرعة يقودها شخص ما لا يراني ولا يأبه أصلا لوجودي بأي شكل كان ولا تعني له حياتي أية قيمة مضافة، نعم عزيزي القارئ، هكذا هو عالم السناجب.

 لم أكن يوما ما مهتمة بعلم الحيوانات أو أي نوع من المخلوقات عدا البشر وما يتنازعهم من عوامل نفسية مختلفة ولكن سلوك هذه الكائنات الصغيرة والتي يعتبرها معظمنا لطيفة نوعا ما، يعد مثيرا جدا بالنسبة لي، ولم يكن ربيع هذا العام هو المرة الأولى الذي يمضي علي وأنا منبهرة بهذا المخلوق ولكن الجديد في الأمر هو ما التقطه من تناغم وتشابه بين العالمين عالم السناجب وعالم البشر، لسنا كالسناجب شكلا أو لونا إنما هناك من يتوافق معها في ما أعده غرابة سلوك وطباع.

فكر سنجابي يضع صاحبه في مكانة ما أعلى من بقية البشر مفترضا أن الأقدار تخصه بما حرمت منه غيره، تماما كما هو السنجاب الذي يقفز إلى الأعلى بخفة على أسلاك الكهرباء ظانا بأنها قد وضعت خصيصا له دون إدراك أن من اخترعها وركبها واستفاد منها لم يع أصلا لوجود السناجب ولم يكن ليفكر بأي حال من الأحوال بها وما تعنيه هي شبكات الكهرباء.

في حقيقة الأمر فإنني لا الوم السناجب إن اعتقدت يوما أن معطيات الطبيعة قد أبدعها الخالق لها حصرا، ولكنني أتعجب حقا ممن يحملون المنظار نفسه ويرون الحياة عبر عدسات مماثلة تعكس لهم شعورا بالأفضلية على الغير مما يجعلهم يعتقدون بأحقيتهم في الحصول على كل شيء دون غيرهم من بنى البشر.

ولا شك بأن المتتبع لكلا السلوكين، الصادر عن السنجاب أو الآخر الصادر عن الإنسان صاحب طريقة التفكير تلك يدرك تماما حجم اللامبالاة والإهمال في التفكير بالأشياء أو طريقة أداء المهام المطلوبة منه، مما ينعكس عليه وعلى المحيطين به بنتائج كارثية في بعض الأحيان، نتائج صعبة كان من الممكن تلافي وقوعها بالقليل، القليل فقط من الحرص والاهتمام والرؤية الموضوعية لحقيقة الأمور.

يمارس السنجاب مهمة يومية وهي إخفاء الطعام في أماكن شتى، يعمل بجد ونشاط ويتقن الحفر والتغطية ثم ينسى مواضع تلك الحفر فيمسي عمله هباء منثورا، تماما كما هو الانسان الذي يقضي جل وقته متشاغلا بما لا حصر له من المهام التي كان من الممكن إنجازها واتمامها بطرق أكثر نجاعة وأقل جهدا ووقتا، وكنتيجة حتمية فإن حصيلة إنتاجه الفعلي في الحياة لن تزيد عن إنتاج شخص آخر سعى نحو ذات الأهداف بطرق أكثر كفاءة مقتصدا في وقته وجهده، أضف إلى ذلك صعوبة أن يصل إلى مستوى إنتاجية شخص آخر وضع نصب عينيه أهدافا أخرى أكثر فعالية وسعى نحوها ممتطياً الذكاء قبل الجهد.

يموت سنويا عدد كبير من السناجب التي تقضي دهسا على الطرقات كنتيجة منطقية لسلوكها اللاواعي، ولتغافلها عن المخاطر المتوقعة أثناء عبور الشوارع، وبالمقابل لا يأبه أحد ما لموت سنجاب أو تفتته تحت العجلات، ففي نهاية الأمر فإن الخطأ الذي تسبب بهذه النتيجة يقع تماما على السنجاب وليس على السائق.

ومن المثير للدهشة أنك تستطيع رؤية نفس الصورة تماما في واقعنا البشري، ففي غمرة تسارع الحياة ومجرياتها على كافة الصعد لابد أن تتحلى بدرجة عالية من التيقظ والانتباه وبعد النظر قولا وفعلا، فالعجلة تدور بنا مسرعة ولا مجال للتباطؤ والتراخي، وبالعموم فإن الخسارة بأنواعها صفة ملازمة لأولئك الغافلين الذين لا يأبهون لمجريات الحياة حولهم أيا كانت فرصا سانحة أم مخاطر متوقعة، وبطبيعة الحال لن تجد هناك من يبكي الخاسر أو يرثي لحاله فقد أفضى إلى ما قدم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها