هكذا كانت أخلاق الفاتحين المسلمين

هكذا كان المسلمون يجاهدون وبهذه الرحمة انتشرت دعوتهم في آفاق العالمين  ولنذهب للنماذج العملية.

يتعمد الكثيرون ممن يحملون بغضاً وكراهية لحركة الفتوحات الإسلامية تشويه صورة هذه الفتوحات التي نقلت البشرية من ظلمات الكفر والظلم لنور الإسلام والعدل فيصوبون سهامهم نحو الفاتحين المسلمين ويتهمونهم بسفك الدماء ونهب الأموال وهذا من الاجحاف بل هذه الاتهامات ينطبق عليها كما يقولون ”رمتني بدائها وانسلت” فمن يوجهون هذه الاتهامات من كُتّاب الغرب ومن سار على شاكلتهم عليهم أن يراجعوا تاريخهم وتاريخ أجدادهم أولاً ليعلموا أنهم هم سافكو الدماء الحقيقيون وهاتكوا الأعراض ومدنسو المقدسات، أما المسلمون فلم يكونوا يوماً  قتلة وسافكي دماء  بل كانوا أصحاب عقيدة ومنهج  حتى في جهادهم  كانت تحكمهم المبادئ والقيم وتلكم نماذج تبين لكم كيف كانت أخلاق الفاتحين المسلمين  نبدؤها بهذا الميثاق.

ميثاق الجهاد والفتوحات عند المسلمين:

لقد جاء الإسلام رحمة للبشرية جمعاء فلم يشرع الجهاد إلا لنشر الخير وردع الشر ولذلك في الوقت الذي كان أعداء الإسلام يستبيحون  فيه ديار المسلمين ودماءهم وأموالهم ونساءهم، وضع الإسلام قواعد للجهاد أرسى مبادئها النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليها المسلمون من بعده ويتجسد هذا الميثاق العظيم  في وصية الصديق التي أوصى بها يزيد بن أبي سفيان أحد قادة الجيوش  المتجهة للشام  ويضمن الميثاق عشرة مبادئ  حيث قال أبوبكر: يايزيد إني موصيك بعشر:

 لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً ، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن.  

هكذا كان يجاهد المسلمون وبهذه الرحمة انتشرت دعوتهم في آفاق العالمين  ولنذهب للنماذج العملية.

محمد صلى الله عليه وسلم:

نبدأ بالفاتح الأعظم محمد بن عبد الله الذي تعرض لشتى أنواع الظلم والاضطهاد من قومه حتى انتهى به الحال لأن يترك ماله وداره ويخرج هو وأصحابه مهاجراً ومُطارداً ليعود بعد إحدى وعشرين سنة على رأس عشرة آلاف ويدخل مكة وتستسلم له قريش التي أذاقته الويلات من قبل وتقف تحت أقدامه على باب الكعبة تنتظر العقاب والانتقام فيبادرهم النبي ماذا تظنون أني فاعل بكم فيقولون خيراً أخ كريم وابن أخ كريم  فينظر إليهم النبي وقد تناسى كل ما فعلوه معه ويقول لهم كما قال يوسف عليه السلام ”لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء”.  

عمر بن عبدالعزيز ووفد سمرقند:

 لما تولى عمر بن عبد العزِيزِ الخلافة وفد عَلَيْهِ قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين عَلَى غدر ودون أن يلتزم بضوابط الحرب التي وضعها المسلمون، فكتب عُمَر إِلَى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا، فنصب لهم جميع بْن حاضر الباجي فحكم بإخراج المسلمين عَلَى أن ينابذوهم عَلَى سواء، حتى يكون أهل سمرقند على استعداد لقتال المسلمين  فلما رأى أهل سمرقند هذا العدل وهذه الرحمة قالوا إن هذه أمة لا تُحارب  فدخلوا في الإسلام ، وأقروا المسلمين، فأقاموا بَيْنَ أظهرهم.

 محمد الفاتح والقسطنطينية:

لما دخل المسلمون القسطنطينية ذهب السلطان محمد الفاتح إلى كنيسة أيا صوفيا التي تجمع فيها النصارى فزعين مرعوبين فأحسن استقبالهم وأمنهم على أرواحهم وسمح لهم بالعودة إلى منازلهم، وترك لهم الحرية في انتخاب البطريرك الخاص بهم، ولما انتخبوه ثبته السلطان، وسلمه عصا البطاركة، وألبسه الخاتم  وأعطاه فرسا خاص به وعين له حرساً من جيش الانكشارية حتى صرح البطريرك عند ذلك بقوله: إني أخجل مما لقيته من التبجيل والحفاوة، الأمر الذي لم يفعله ملوك النصارى مع أسلافي.

هكذا كانت أخلاق الفاتحين المسلمين منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى سقوط دولة الخلافة حاولت أن أوضحها لكم عبر بعض النماذج واترك لكم الآن بعض من شهادات غير المسلمين والمستشرقين وبعض الذين دخلوا في الإسلام مؤخراً لتعرفوا أن الإسلام دين الإنسانية والرحمة وأن الفاتحين ما كانوا يوماً سافكي دماء، بل كانوا دعاة  خير وعدل ورحمة.   

قالت إيفيلين كوبلد:

 لما استرجع صلاح الدين بيت المقدس بعد معارك عديدة، وطرد الصليبيين من البلاد؛ أظهر في حروبه ومعاركه كل ألوان الرفق والرحمة والعفو عند المقدرة، وأبى أن يُعامل المغلوبين إلا بالحسنى والرفق، ورفض الانتقام من الذين أساءوا، وأحرقوا، ودمّروا، وزاد إحسانًا؛ فَسمح لجميع المسيحيين بمغادرة المدينة تحت رعاية رجاله ومحافظة قُوّاده، وقد حفظ له كثير من كُتَّاب الغرب هذه الصفات، ولم يتأخروا عن المجاهرة بها، والإقرار بأنه كان أشرف الأعداء، وأطهر الفاتحين». (البحث عن الله).

قال توماس أرنولد:

 لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدِّين المسيحي، بل إن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدَّليل القوي على ما كانت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم». (الدعوة للإسلام).

يقول أحمد سوسة  أحد الرجال اليهود الذين أعلنوا إسلامهم:

«يُستحسن بأتباع موسى وعيسى أن يُراجعوا التاريخ الإسلامي؛ ليقفوا على ما يأمر به الإسلام بشأن الرفق بالأطفال والشيوخ والنساء وغير المقاتلين بصورة عامة، ويُثبت لنا التاريخ أن المسلمين صاروا وفق شريعتهم القاضية بوجوب عدم المساس بالأطفال والشيوخ والنساء بكل أمانة وحرص حتى في الظروف التي كان العدو المقابل يقتل الأطفال والنساء وغير المحاربين». (في طريقي إلى الإسلام).

اقرأوا هذه الأخبار وهذه الشهادات ثم قارنوا بينها وبين أخلاق غير المسلمين وانظروا ماذا فعل الصليبيون في حروبهم الصليبية وكم قتلوا من ملايين البشر دون تفرقة بين رجل وامرأة شيخ وطفل محارب ومسالم وراجعوا أيضاً لما فعله نصارى الأندلس بثلاثة ملايين مسلم في محاكم التفتيش وكذلك ما فعله المغول في بغداد والشام وما فعله اليهود منذ قيام كيانهم على أرض فلسطين راجعوا  كل هذه الجرائم التي فعلها غير المسلمين بحق البشرية، لتدركوا أن الفتوحات الإسلامية كانت فتوحات خير وعدل وأن الفاتحين المسلمين تجسدت فيهم أسمى معاني الرفق والرقي والرحمة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها