لصقات الروح

فاز بالمركز الأول للهوايات، استلم فرحاً الكأس والميدالية الخاصة بهذا الحدث، مشاركات كثيرة وهوايات مختلفة استقطبتها المسابقة، كان لافتاً فيها تميزها بهوايات غريبة وجديدة.

لقد ألفنا هواة الطيور والأسماك وتربية الحيوانات كالقطط والكلاب وحتى السباع والضباع أو الثعابين، ولكن هناك من يهوى تربية الصراصير فالصرصار الأمريكي يصل سعره لأكثر من 30 دولار أمريكياً وهو الدخل الشهري للفرد في بعض الدول النامية.

هناك من يهوي جمع الأشياء الغريبة كعلب الكبريت أو أغطية زجاجات المشروبات، في النهاية كلها هوايات تفيد أصحابها وقد تفيد الآخرين.

شخصياً تعجبت من هوايته التي فاز بها وأثار ذلك فضولي بشكل كبير، بعد أن انتهت مراسم الحفل ولقاءاته مع الصحافة والاعلام طلبت منه مقابلته للحديث حول هوايته فقد أخذ مني الفضول مأخذه، سألته: أرى أن هوايتك غريبة بل من أغرب ما مر علي في حياتي، لقد ألفت جميع الهوايات وعرفت مغزى كثير منها ولكن أن تجمع شيئاً غريباً كما فعلت أنت فهذا شيء لم أفهمه، ضحك وقال: ألا تتفق معي أن أي هواية هي عالم خاص للهاوي، وأنه في كثير من الأحيان من ينظر من الخارج يعتقد أن ذلك عبث أو نوع من الجنون؟ قلت: نعم أعلم ذلك جيداً فهوايتي غريبة بالنسبة للأخرين ولكنني أحاول أن أفهم، قال: نعم كلنا نحاول أن نفهم، ماذا تعني هذه الهواية؟ ولماذا يهتم هذا بتلك الهواية وآخر يهتم بشيء آخر؟ لكن اسمح لي أن اسألك والسؤال للجميع: هل لديك هواية؟ هل تعرف سر هوايتك؟ أعلم يقيناً أن معظم المهتمين بهواية ما لا يعرفون لهذا الاهتمام سبباً ولا يعرفون لشغفهم تعليلاً ولا تفسيراً، أنا على يقين تام أن الشغف قد خلق معنا وبداخلنا، نعيش حياتنا باحثين عنه لكي نعيشه ونعيش به كما ينبغي، كثر يعتقدون أنهم اكتشفوا ذلك ولكن أكثرهم مخطئون.

 فالهواية لابد أن تفيد النفس والآخرين، كم من عاشوا وفي اعتقادهم أن لديهم هواية ما، البعض يرى أن هوايته مشاهدة المباريات ومتابعة الأخبار التي تتعلق بها، وآخرون يقولون أن هوايتهم الأكل أو الشرب، هل ذلك مفيد؟ هل ذلك مجد؟ قد يكون بعض ذلك ذا فائدة ولكنني أتحدث بصورة عامة، بعض الهوايات غريبة كتربية الثعابين على سبيل المثال، نعم غريبة للكثيرين ولكن الاهتمام بها ودراستها ومراقبتها وتغيير المفاهيم والمعتقدات عنها وتعريف الناس بأنواعها وخطورتها والوقاية منها وعلاج سمومها أمر في غاية الأهمية يعود على الطرفين بالنفع والمنفعة.

كنت أستمع إليه وأنا مستمتع بحديثه فقد كان ما يقول شيقاً، قلة من يعيشون هوايتهم بهذا العمق، أكمل حديثه قائلاً: كل شيء يعني شيئاً ولا شيء لا شيء، نظر إلى قائلاً: هل فهمت معنى ذلك؟ قلت: نعم، أكمل حديثه قائلاً: الشيء الذي يعني لك الكثير قد يكون لغيرك لا شيء والعكس صحيح، هنا استوقفته قائلاً: هذا ما أتحدث عنه وأريد معرفته فهوايتك التي جعلتك تفوز بجائزة هذه المسابقة غريبة لم أفهمها، أعلم أنها بالنسبة إليك شيء كبير، أستطيع أن أرى ذلك من خلال بريق عينيك أثناء حديثك عنها، إضافة لتميز مجموعاتك التي عرضتها في هذه المسابقة، لكنني وبكل صدق وأمانة في حيرة من أمري فلم أستطع تفسير أو إيجاد المغزى من تلك الهواية.

عاد بذكرياته إلى الوراء وشرد بذهنه إلى البعيد بعد أن تنهد تنهيدة شعرت بها بداخلي، قال وقد تهيجت مشاعره والشجن يملأ عينيه:عندما كنت طفلاً وأثناء لعبي كرة القدم وقعت على الأرض، جرحت ساقي بخدش بسيط، كنت أبكي، لم أعرف لبكائي سبباً، هل هو الألم؟ أو لأن كرامتي قد جرحت أمام الآخرين؟ أم لأنني لم أجد من يجعلني أتفادى ذلك السقوط، كنت أنظر إلى أبي وهو يربت علي ويتفحص ساقي ويبتسم، يضع على ذلك الخدش البسيط لصقة جروح، ناولني واحدة أخرى وطلب أن أحتفظ بها، قمت وكأن شيئاً لم يكن.

كنت مسروراً جداً بما حدث، كنت فرحاً لأن لدي لزقة أخرى أتفادي بها أي جرح آخر، بقيت تلك اللزقة معي لفترة طويلة وأنا لم استخدمها فأخبرت أبي بذلك وسألته عما أفعل بها؟ قال لي عبارة لن أنساها، كانت عبارته هي بداية انطلاقي في هوايتي، قاطعته قائلاً: أنا لم أفهم ما علاقة ما حدث لك بهوايتك، صدقاً أنا لم أفهم شيئا إلى الآن!

ضحك وقال: ذلك الموقف قد يمر مرور الكرام على الكثيرين وقد ينسوه ولكنه بقي بداخلي، عندما سألت والدي عن اللصقة التي بحوزتي قال لي: بني عندما يسيء إليك أحدهم اشترى لصقة جروح وقل لنفسك هذه للجرح الذي حدث لي جراء  تلك الإساءة، افعل ذلك في كل المواقف المؤلمة بالنسبة إليك، لا تجعل المواقف ذات تأثير عليك، وتذكر أن لصقة الجروح هذه ستزيل عنك الكثير وأننا نحتاجها لأنها تضمد جراحنا، الجراح قد تبدو  صغيرة ولكنها قد تتلوث وقد تتفاقم وقد تتعفن، هذه هي حالنا في حال دخول أي إساءة إلى أعماقنا، إساءة صغيرة قد تبقى، تنمو وتكبر، قد تغيرنا من ذلك الكائن الذي سمى إنساناً إلى مسخ يستطيع

 أن يفعل كل ما يريد، هذه هي كلمات والدي التي جعلتني أبحث عن كل أشكال لزقات الجروح لكي أضع منها ما يناسب كل إساءة تعرضت لها، عندما تكون الإساءة بسيطة أضع الصغير منها أمامي وأقول لنفسي هذه لذاك الجرح، وإن كانت الإساءة كبيرة ولها تأثير بالغ أضع ذات الحجم الكبير، قد أضع العديد منها لكي أشفي روحي وكل مشاكلي وجروحي، هذه هي هوايتي جمع لزقات الجروح التي جعلت مني صبوراً وحكيماً.

أتغاضى عن الإساءة وأقابلها بحلول فورية وسريعة، أغطيها لكي أمنعها أن تؤثر في روحي لأنني على يقين أن الإنسان لو ترسبت لديه مبادئ غير سوية سيكون غير سوي، أصلحت نفسي بنفسي وبتلك اللصقات التي كانت بالنسبة لي علاجا ناجعا.

أخذت أفكر في قصته فوجدت أن ما يقوله هو السهل الصعب، فعلاً نحتاج إلى التغاضي والتعافي من أمور كثيرة، نحتاج لأن نتجاوز عن السوء الذي يلحق بنا ولم لا؟ ولم نحرص على أن يكون بداخلنا ملوثاً ومشوهاً؟ عشرات الأسباب بل المئات منها هي ما تجعلنا نتلقى الإساءة ولكن لم لا نتغاضى؟ لم لا نحاول؟ جراح كثيرة لا تحتاج إلى لصقات جروح ومع ذلك نضعها كوسيلة علاج بالنسبة لنا، نكتفي بها ولو لم يكن لها أي تأثير علينا، نحن بحاجة لها لكي نعيش بشكل أفضل، فلنجرب ولنبدأ بأبسط الجروح، لنضع عليها تلك اللصقات ولنرى، يمكن أن نغطى كل جروحنا لو أردنا وكأنها لم تكن، اختاروا من تلك اللصقات المقاس المناسب لجراحكم، قد يبدوا الأمر بالنسبة للكثيرين كلاما يحكى ويقال، لما لا نجرب فالحياة تجارب وكما يقال في الأمثال: التجربة خير برهان.

ضمدوا جراحكم أو اتركوها، أوقفوا نزيف أنفسكم أو دعوا ذلك النزيف يقتلكم، هي حياتكم فافعلوا بها ما تريدون، لا أعتقد أن عاقلاً يرفض أن تضمد جراحه ويعالج، ألستم معي في ذلك؟ جهزوا لصقات الروح.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها