سيقتلونك سيقتلونك وإن سكت!!

فسيقتلونك سيقتلونك، نعم والله سيقتلونك.

من يقرأ التاريخ -قديمه وحديثه- يرى أن الناس فيه على قسمين:

قسم يعيش لنفسه ولو على حسب غيره… لا تشغله إلا نفسه، ولا تقيمه إلا شهوته، لا يشغله قريب ولا حبيب، ولا يعمل لدين ولا وطن، نفسه منه في راحة، والناس منه في عناء.

وقسم آخر: يعيش لغيره ولو على حساب نفسه وأهله، يعطي للناس من وقته وصحته، ويبذل للناس من روحه وعافيته، لا يشغله حاله عن أمته أو وطنه، ولا تلهيه زخارف الدنيا عن مطالب دينه ودعوته، فهو كما قيل: نفسه منه في عناء والناس منه في راحة.

وبين هذه القسمين أناس يطلبون الراحة، فلا هم في العير ولا في النفير، لا همّا حملوا، ولا دينا بلغوا، فهم وإن لم يؤذوا غيرهم إلا أنهم رضوا لأنفسهم بحياة الدون… شعارهم: إنما الدنيا طعام ومنام، فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام، ومثل هؤلاء قال عنهم ربنا جلّ وعلا: “لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” [الأعراف: 179].

وقد أقام الدنيا وأقعدها الزبرقان بن بدر حين وصفه الحطيئة بأنه مجرد آكل كاسي… ذكر ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أن الحطيئة قال في هجائه الزّبرقان بن بدر:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها … واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فاستعدى عليه عمر بن الخطاب وأسمعه الشعر، فقال: ما أرى بما قال بأسا. قال: والله يا أمير المؤمنين ما هجيت ببيت قطّ أشدّ منه. فأرسل إلى حسان فسأله: هل هجاه؟ فقال: ما هجاه، ولكنه سلح عليه.

وقد وصف ابن حنبل هذا الصنف بأنهم (مستريحو العقل)، ذكر صاحب (الآداب الشرعية  المرعية): قال ابن المنادي دخل أحمد بن داود الحداد على أبي عبد الله الحبس قبل الضرب فقال له في بعض كلامه: يا أبا عبد الله عليك عيال ولك صبيان وأنت معذور كأنه يسهل عليه الإجابة، فقال له أحمد بن حنبل إن كان هذا عقلك فقد استرحت.

فيا أيها الخامل الشاكي…. لا تكن طعوما لوبسا فبئست الحياة تلك.

ويا أيها الهارب الباكي… لا تكن مستريح العقل بترك دعوتك فتخسر وتهلك.

لا تركن ولا تقعد وإلا سيقتلونك:

ويا من تركت الطريق عملا ودعوة…. صمودا وصبرا…. مواجهة وثورة…. تضحية وعطاء… يا هذا ويا ذاك ويا ذلك، لو ظننت أن اعتزالك للحق سيرضي عنك أهل الباطل فأنت واهم… فربك جلّ شأنه: “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا” [البقرة: 217].

ولو توهمت أن بُعدك عن طريق الحق سيجنبك المخاطر فأنت مخطئ…. والله جلّ وعلا يقول: “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ” [النساء: 78].

سيطاردونك حتى وإن غلقت بابا دون باب،،، ولو اتخذت حجابا بعد حجاب،،، فمظنة وجود بقايا الحق عندك تقتلهم،،، وماضيك النقي الطاهر يفضحهم…

فسيقتلونك سيقتلونك….

نعم والله سيقتلونك….

سيقتلونك جوعا وعطشا… أو يقتلونك خوفا ورعبا…

أو يقتلونك حزنا وكمدا….. أو يقتلونك رضا بالظلم وركونا…

وفي هذا تكون الطامة الكبرى، وقد حذّر الله من ذلك فقال: “وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ” [هود: 113] يقول صاحب الظلال: “لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا. إلى الجبارين الطغاة الظالمين، أصحاب القوة في الأرض، الذين يقهرون العباد بقوتهم ويعبّدونهم لغير الله من العبيد.. لا تركنوا إليهم فإن ركونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه. ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير”.

فيا صاحب الهمّ والهمة:

ليكن عملك للحق أولى من انسحابك وتواريك….

وليكن صبرك على الطريق زادا لمن أحبك ووثق فيك…

لا تخذل من أحبك…

ولا تفضح من استأمنك…

ولا تُعن من ظلمك وشردك…

وإياك من زعزعة اليقين فيمن خلقك…

واحذر من فقد الثقة فيمن هداك وأكرمك بالدعوة وحباك….

واعلم بأن مشقة الطريق لا تعني استدامته، وأن كثرة العقبات لا تستلزم بقاءها، وها هو القرآن بعد أن ذكر من فداحة ما فعل فرعون بقومه يقول: “وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ” [القصص: 4، 5].

ولله در القائل:

وكم لله من لطفٍ خفيٍّ يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ …

وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ فَفَرَّجَ كُرْبَة َ القَلْبِ الشَّجِيِّ…

وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَشِيِّ…

إذا ضاقت بك الأحوال يوماً فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها