إنهم يقتلون الوطن!

حدثني عن هذا الشاب الذي تم اختطافه من شوارع وطنه، فقط لأنه كتب رأيا مخالفا لرأي هؤلاء الرعاع المحتكرين، ليجد نفسه مخفيا في أحد مؤسسات وطنه.

هل تساءلت يوما، ما هو وطنك؟

لا أسألك عن تلك الجنسية التي تحملها في جواز السفر، ولا عن المدينة او القرية التي نشأت بها ..

إنما سؤالي كان عن انتمائك، إلى أي وطن تنتمي ؟!

هل وجدت انتماءك في بيتك الذي تسكن إليه ليلا, وتشعر فيه بالأمان، ويقي من برد ليالي الشتاء؟

أم وجدته في أسرتك الصغيرة، أبواك وأخوتك، أو زوجتك وأبناؤك الصغار، وجودهم يشعرك بالدفء ويذكرك بأحد أهم أسباب استمرارك في الحياة .

أم كان انتماؤك لمدينة نشأت فيها، أو حتى ارتحلت إليها، فاحتوتك وآوت غربتك، وأصبحت تلك المدينة تحمل ذكرياتك الجميلة، وانطبع في قلبك رائحة شوارعها.

كثيرا ما تساءلنا جميعا، ما هو الوطن ؟!

هل يعقل أن يكون وطنك هو مصدر ألمك ؟!

وهل يعقل أن يظل وطنك وطنا، وهو يؤذيك ويقطع عليك كل السبل إلى الحياة ؟!

هل من الممكن أن يموت الوطن بداخلنا؟! مهما كان انتماؤنا إليه؟

حدثني مثلا عن أسرة شهيد، قُتل غدرا وهو يطالب بحرية وطنه وكرامته، وحين أرادت أسرته أن تدفنه، واجهت تنكيلا وتزويرا من محتكري الوطن، هؤلاء الرعاع الذين يخبئون صكوك الوطنية في أدراجهم، لم يقدموا أية تضحيات لهذا الوطن، لكنهم يحتكرون القرار، ويصدرون الأحكام كما يشاؤون، هذا وطني، وذاك خائن.

ألا يقتلون هؤلاء الرعاع الأوطان؟! يقتلونها في نفوس أبنائها، وكأنهم يوجهون لهم الدعوة بوضوح، فلتبحثوا عن وطن آخر، أما هذا الوطن فلنا، لنا نحن فقط.

حدثني عن هذا الشاب الذي تم اختطافه من شوارع وطنه، فقط لأنه كتب رأيا مخالفا لرأي هؤلاء الرعاع المحتكرين، ليجد نفسه مخفيا في أحد مؤسسات وطنه، معلقا من يديه أو من أرجله، تنزف كرامته مع كل لحظة، ومعها ينزف حبه لوطنه، حتى يجد نفسه فجأة، لا يحمل لوطنه أي حب، والمأساة، أنه لم يجد وطنا آخر، هو أصبح بلا وطن، وبلا انتماء.

هل فهمت الآن ماذا يفعل هؤلاء المحتكرون، إنهم حقا يقتلون الوطن.

يقتلونه في أعين أبنائه الذين لم يروا منه خيرا، ولا حتى رأوا منه أمانا، أصبح مجرد ذكر الوطن بالنسبة لهم هو دعوى للألم والحسرة، لأن جل أحلامهم في هذا الوطن، هي عينها حقوق أبناء الأوطان الأخرى، يحصلون عليها دون سعي منهم أو تعب، أما هم فمجرد حصولهم على حق واحد ولو بشكل استثنائي، يستدعي معه التقريع والمعايرة والمن والأذى.

يقول هؤلاء الرعاع محتكروا الوطنية، يحيا الوطن .

هل يمكن أن يحيا وطن، يشعر أبناؤه أنه ليس وطنهم، ليس مكانهم، يدركون تماما أنهم حتى ولو كانوا جزءا من نظامه وداعمين لمحتكريه، سينتهي بهم الأمر قتلى في الصحراء دون حتى عناء ذكر الاسم، كيف يمكن أن يحيا هذا الوطن وهو ينزف حب أبنائه له.

لا هم عادوا يشعرون بالانتماء إليه، ولا هو عاد وطنا لهم، مع الأسف، لا حياة لأوطان دون حب أبنائها، ولا حب أو انتماء، دون أن يكون هذا الوطن وطنا بحق، مبعثا للفخر حاضرا قبل ماضٍ  منبعا للأمان والاحتواء، داعيا للانتماء بالمساواة بين أبنائه.

إذا لم تجد أيا من ذلك، إذا لم تجد إلا الظلم والفساد، إذا وجدت المئات والآلاف من أبناء الوطن تجسدت أحلامهم في تركه، أو تجسد أمانهم بعيدا عنه، فاعلم يا صديقي أنهم ما زالوا يتفننون ويمعنون في جرائمهم الخسيسة، وأهم جرائمهم وأحقرها، أنهم يقتلون هذا الوطن.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها