الفيلم “وندر”.. عندما يتصدر اللطف شباك التذاكر

نجحت جوليا روبرتس في تقمص شخصية الأم الملهمة الداعمة التي استطاعت أن تتفهم الظرف الخاص لولدها نتيجة التشوه الواضح في وجهه وقد تزامن ذلك برفضها أن يكون ضعيفا أو مهزوما.

عندما يتصدر اللطف شباك التذاكر، مؤخرا وفي عطلة نهاية الأسبوع الماضي تصدر فيلم (  Wonder ) في العديد من دور عرض الأفلام حول العالم.

تناول الفيلم القصة الملهمة للصبي أغسطس الذي التحق بالمدرسة في الصف الخامس للمرة الأولى في حياته حيث درس سابقا في منزله مع والدته في البيت، “أغسطس” الذي ولد مريضا ومشوه الوجه عاش تجربة مختلفة عن أقرانه تخللها العديد من العمليات الجراحية والقليل جدا من الأصدقاء والعلاقات الاجتماعية.

رغم أنني لست بناقدة سينمائية إلا أن شغفي بالعديد من القضايا الاجتماعية المؤثرة قد دفعني لكتابة هذه التدوينة الخاصة حول هذا الفيلم، فقد عالج ضمن ساعتين من الدراما الكوميدية الهادفة ما قد تعجز عنه العديد من الدوارات والخطب والدروس.

أبدع الابطال وبخاصة الأطفال في تصوير المشاعر المتناقضة وكيف نمت وأزهرت عبر عام دراسي كامل بدءا منذ اليوم الأول وانتهاء بيوم التخرج وتكريم الطلبة.

نجحت جوليا روبرتس في تقمص شخصية الأم الملهمة الداعمة التي استطاعت أن تتفهم الظرف الخاص لولدها نتيجة التشوه الواضح في وجهه وقد تزامن ذلك برفضها أن يكون ضعيفا أو مهزوما في مختلف المواقف الصعبة التي تعرض لها، وجعلت من نفسها أنموذجا حيا أمامه في تحقيق النجاح ولو بعد حين.

وفي ذات الوقت عرض الفيلم لما عانته الأخت الكبرى في إشارة سريعة ذكية لما قد تتعرض له الأطراف المحيطة بالشخص المعني صاحب المشكلة في إطار العائلة الواحدة، فقد لازم الأخت الكبرى شعور دائم بالوحدة، ورغم تفهمها التام لوضع أخيها ودعمها الكامل له الا أنها كانت طفلة أو مراهقة هي الأخرى بحاجة الى الحب والاهتمام والدعم.

وفي حقيقة الأمر فقد قدم المخرج شخصية الأم في الفيلم باعتبارها الشخصية الأقوى والأكثر تأثيرا على صعيد العائلة ومن أحاط بها مما حاكى واقع العديد من الأسر في الحياة الحقيقية، وأثار مشاعر المشاهدين بمقدار القوة واللطف الذي تمتعت به الشخصية وعبرت عنه للجميع بما في ذلك كلب العائلة الذي كان الصديق الدائم للطفل أغسطس في مراحل حياته داخل المنزل وعبر محطات علاجه المتتابعة.

أما شخصية الأب فقد جاءت متوافقة ومتناغمة مع حاجة الأسرة لطرف آخر أقل حدة وصرامة وأكثر مرحا دون المساس بقوته وتفهمه لأفراد العائلة، فقد كان موجودا دائما عندما غابت الام عن المشهد ولم يغفل المخرج من أهمية دوره على الرغم من كونه أقل وضوحا من دور الأم في المعادلة الصعبة.

ومن المثير حقا في هذا الفيلم هو قدرة الممثلين على تقمص الأدوار رغم صعوبتها وتعقد المشاعر وتناقضها في كل موقف، أداء الأطفال في البيت أو المدرسة أو الانشطة المختلفة جاء مذهلا بالفعل، وأثار في نفسي العديد من التساؤلات حول نظرتنا لأبنائنا وتوقعاتنا الدائمة منهم المنخفضة والمرتفعة على حد سواء حسب اختلاف الظروف.

فقد رسخ الفيلم لفكرة الوعي العميق الذي يتمتع به الأطفال انعكاسا لفطرتهم السوية التي لا تزال نقية بعد وبالرغم من محاولات الكبار أحيانا لتشويهها إلا أن الطبع الفطري السليم يغلب في نهاية الأمر.

قدرة الأطفال على التعبير وتمثيل هذه المشاعر هو بحد ذاته انجاز كبير، فما بالك عزيزي القارئ بمن عاش فعلا ضمن ظروف ومشاعر شبيهه  في حياته الحقيقية؟ ولا شك بأننا محاطون بالفعل بالعديد من النماذج الملهمة في حياتنا.

وعلى صعيد المدرسة التي التحق بها أغسطس فقد تم تصوير شخوص كادرها الإداري والتدريسي بفعالية وكفاءة مميزة أتمنى حقا أن نرى مثلها في واقعنا الحالي.

المدرسة وأثرها العظيم في بناء الجيل وغرس القيم وتلك التحديات التي تحياها كل مدرسة في كل مكان، كان موضوعا آخر يحتاج بحد ذاته إلى تدوينه مستقلة، حيث قدم الفيلم أنموذجا مشعا لحالة من الانسجام والتناغم العميق بين أعضاء الكادر المدرسي حيث انعكس ذلك على تعاملهم المباشر مع الطلاب وغير المباشر عبر الرسائل الخفية التي حرصوا جميعهم على توصيلها للطلاب بعدة طرق مختلفة على مدار العام الدراسي ضمن أحداث الفيلم.

العديد من القيم تم التعبير عنها ضمن سلسلة من الأحداث الغنية بالمشاعر وعلى رأسها جاءت مشاعر التفهم واللطف التي قدمها الفيلم على لسان وحال أبطاله باعتبارها الأكثر أهمية في بناء وتوطيد العلاقات من أي قيمة أخرى  حيث جاءت العبارة في الفيلم: ““Be kind is more important than being right

وعلى الصعيد الآخر، جاء الفيلم واقعيا تماما بتصوير عدد من الشخصيات المناقضة لما يدعو اليه من اللطف والتفهم ، وعلى الرغم من ذلك فقد جاء تمثيل هذه الشخصيات ناجحا تماما ومتوافقا مع طبيعة الظرف ومقدار الوعي أو عدم الوعي المتوقع من كل فئة في المجتمع.

أبدع المخرج عندما تنقل بسلاسة ومرونة بين عدد من شخوص الأطفال في الفيلم  وأفسح لكل منها المجال للتعبير عما يختلج في نفسها من أمنيات ومخاوف ومشاعر متناقضة مما أتاح للمشاهد فرصة كافية لفهم وتفهم العديد من الاحداث والمواقف والدوافع المحركة لها.

مرة أخرى أعود وأقول بأنني لست في صدد النقد السينمائي المهني للفيلم لكنني أعتبره تجربة اجتماعية ثرية تستحق أن تتشاركها العائلة كاملة إن أتيحت لها الفرصة وكلي ثقة بأن الاثر الإيجابي الذي قد تتركه سيبقى طويلا راسخا في العمق.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها