المصالحة

التفاؤل بالمصالحة الفلسطينية غالب على الشارع الفلسطيني بل والعربي والدولي، وتجد الغالبية يتعاملون وكأن المصالحة قد تمت ولا توجد عقبات حقيقية.

إن الاجتماعات واللقاءات التي تتم ليست أكثر من تفاهمات على آلية التطبيق ليس إلا، ولا يوجد دليل أكبر من زيارة حكومة الحمد الله لغزة، واستلام الحكومة مهامها والإشراف على القطاع، وحجم التنازلات الذي قدمته حركة حماس لا يمكن بموجبه إلا أن تتم المصالحة، ولا ننسى الرعاية الدولية وخاصة من مصر، والمتابعة المستمرة، وحتى المشاركة في وضع بنود الاتفاقيات بين فتح وحماس.

ما الجديد في ذلك؟ وأين المصالحة في ذلك؟ فزيارة حكومة الحمد الله إلى غزة ليست الاولى، واستلام الحكومة غزة والإشراف عليها ليس حالة استثنائية، وبخصوص التنازلات التي قدمتها حماس من أجل المصالحة ليست جديدة، والفرق الوحيد أن الحركة كانت تقدم هذه التنازلات على دفعات وفي أوقات زمنية متتالية حتى يكون هناك تدرج في تطبيق بنود الاتفاق ولا يصبح هناك شرخ أو فراغ.

ولا نهمل الرعاية الدولية، ولكن ألم يرع المصالحة الفلسطينية العديد من الدول العربية، من اتفاق مكة مرورا باتفاق القاهرة والدوحة وغيرها وصولا إلى اتفاق الشاطئ؟ أين الجديد في هذه المصالحة؟
الحقيقة أنه لا يوجد جديد في الاتفاق الأخير للمصالحة الفلسطينية، فكل المراحل الحالية مر بها الشعب الفلسطيني، وشهد مراحل أكثر تطورا مثل الاتفاق على عقد اجتماع المجلس التشريعي بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المكونة من الأكاديميين وتكنوقراط، و من ثم اجتماع آخر لأطر منظمة التحرير بمشاركة حركة حماس والجهاد الإسلامي والعديد من الفصائل غير الممثلة في المنظمة، والعمل على دمجها داخل المنظمة، فكانت النتيجة تشكيل حكومة فلسطينية برئاسة الحمد الله ولكن لم يدعُ رئيس الدولة محمود عباس المجلس للانعقاد.
ورغم تشكيل لجنة للمصالحة المجتمعية فإن هذه اللجنة لم تمارس مهامها خلال أربع سنوات، إلا في قطاع غزة بعد أن شكلت حماس لجنة لإدارة القطاع، معلنة بذلك فصل مؤسسات قطاع غزة عن الضفة الغربية، حيث تم دفع العديد من الديات للاقتتال الفلسطيني الداخلي.
واليوم سمعنا كثيرا من التصريحات من وزراء ومسؤولين فلسطينيين، إذا ما حلت حماس الجنة الإدارية وسلمت القطاع الى الحكومة، سيتم رفع الإجراءات العقابية عن غزة، ومع أن حركة حماس سلمت إدارة القطاع فإن الحكومة الفلسطينية لم تقم برفع الإجراءات العقابية عن غزة!

ورغم كل التصريحات بأن محمود عباس يريد الشراكة ولا يريد التفرد في الحكم، وأنه يقبل في الاحتكام إلى الشارع، مازال يصدر من تصريحات لا تخدم المصالحة الفلسطينية، منها فرض برنامجه السياسي على الجميع قبل إتمام المصالحة وذلك بطلبه من حماس تسليم السلاح، وأنه سيعتقل كل من يثبت أن لدية سلاحا، وتصريحه الذي يطرح التساؤلات عن جديد التفاوض لإتمام المصالحة، عندما قال :إنه ليس في عجلة من أمره، ويقصد غير مهتم إذا ما تمت المصالحة الآن أو لم تتم.
بعض قيادات حماس اقتنعوا بأن كم التنازلات المقدم سيجبر الجميع على المصالحة، في حين أن التصريحات الصادرة من الضفة الغربية تحمل في طياتها المماطلة وعدم العجلة بشكل فعلي، ورغم وجود بعض السياسيين في الضفة وداخل السلطة وحركة فتح يعتبر المصالحة الفلسطينية هدفا، تبقى الحقيقة أن المصالحة لا تخدم الجميع، والأجواء التي تلت زيارة الحمد الله لغزة أجواء غير صالحة للمصالحة، ورغم التفاؤل والترحيب الدولي فإن المصالحة ما زالت غير صالحة للتطبيق على الأرض الفلسطينية، وتحتاج إلى تنازلات جديدة من شريك في المصالحة، وهناك شكوك كبيرة في أن الشريك جاهز لتنازلات، فهو ليس على عجلة من أمره.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها