صديقي الذي فارقناه، ولم يفارقنا

صحيح أننا جميعا فارقناه، ولكن الغريب في الأمر أنه حتى الآن لم يفارقنا، كلنا يجده معه سواء كان في فرحه أو في حزنه، في ارتياحه أو في ضيقه، وانفرط عقد الأصدقاء فلم نعد نتقابل!

استيقظت في صباح يوم باهت، ولم أستطع أن أميز في أي الأيام من الأسبوع نحن، ولكنني تحركت بخطوات متثاقلة لأغسل وجهي ثم نظرت إليه في المرآة وتأملت قطرات الماء وهي تتساقط داخل لحيتي ببطء، وتساءلت متى نبتت كل تلك الشعرات البيضاء في هذه اللحية؟ ثم تعجبت كيف ومتى نبت في قلبي كل هذا الألم؟! ذلك الألم الذي يجعل أسعد لحظات حياتك يعكرها شئ من الحزن.

ظللت في هذه الحيرة حتى رأيت طيفه أمامي، هذا الصديق الذي صرت لا أستطع أن أستحضر أي من ذكرياتي دون أن أراه فيها، سواء كانت هذه الذكريات سعيدة أو حتى مؤلمة، لم يغب أبدا، لم يخذلني، لم يخذلنا أنا أو أي من أصدقائنا ولو للحظة، ولكننا وللأسف خذلناه، خذلناه وفارقناه جميعنا بلا استثناء.

كانت الحياة تمضي وتتلون بألوانها المختلفة، ما بين نجاحات وإخفاقات، تمر الأيام وتكتب لكل منا كتاب ذكرياته وذاكرته، تخط داخل قلوبنا وعلى وجوهنا آثارها، وكان له في كل قلب أثر، وفي كل وجه آثار لابتسامة زرعها فنبتت حبا.

لا أستطيع أن أتذكر ذلك اليوم الذي فارقناه فيه دون أن يجتاحني الندم، بل والصدمة أيضا، الندم على فقدان صداقة على طول أيامها ظلت قصيرة، والصدمة من هذا الفراق الذي جاء سريعا.

 كان هو صديقنا جميعا،في البداية كنت أظن أنه الأقرب لبعضنا فقط، ولكنني اكتشفت حين فارقناه أنه كان الأقرب لنا جميعا، الأحب لقلوب جمعتها صداقة خالصة لم يشبها ثمة تطلع أو مصلحة، جميعنا تألم لفراقه بشدة، ولكننا فارقناه في النهاية.

كان هذا الفراق بمثابة القشة التي قصمت ظهري، وتسببت في شرخ وجرح في روحي ما أزال أحاول أن أداويه أو حتى أن أداريه ولكن دون جدوى، فقط أستطيع أن أنسى جرحي للحظات حين أغمض عيناي وأتتبع طيفه وأتفقد ذكراه وأيامنا سويا فابتسم، ثم أفتح عيناي لأجد جرحي أصبح أكثر ألما وشدة.

صحيح أننا جميعا فارقناه، ولكن الغريب في الأمر أنه حتى الآن لم يفارقنا، كلنا يجده معه سواء كان في فرحه أو في حزنه، في ارتياحه أو في ضيقه، وبرغم أننا كمجموعة من الأصدقاء منذ فراقنا له انفرط عقدنا وصرنا بالكاد نتقابل أو نتحادث في الهاتف، لكنني لم أحادث أيا منهم دون أن يذكر لي أنه يجده دائما حين يحتاج إليه كما كان لم يتغير، ولم يعبأ بفراقنا له.

يا صديقي، حقا لا أعلم ماذا يمكنني أن أقول، ولكن كل ما أريدك أن تعلمه أن فراقنا لك لم يكن بأيدينا، ولا أظن أن أحدا منا كان يجرؤ على اتخاذ مثل هذا القرار، ولكننا جميعا اضطررنا إلى الفراق اضطرارا، وتم فرضه علينا فرضا،ولكنك يا صديقي أبيت أن يكون هذا الفراق فارقا، وأبيت أن ترحل، فلم تدر لنا ظهرك ولو للحظة، وظللت مقبلا بوجهك إلينا  لا تفارقنا أبدا.

كل ما أود أن أخبرك به يا صديقي العزيز، أن الحياة تفرض علينا حتمية الفراق سواء كان ذلك برغبتنا فنندم، أو خارج إرادتنا فنتألم، ولكن ما يدفعنا إلى الاستمرار دائما هو أملنا في اللقاء من جديد.

صديقي العزيز، تألمنا جميعا منذ فارقناك، ولكن كل ما تمنيته حينها أن لا تتألم أنت بفراقنا لك، وسنظل نذكر دائما أننا حين فارقناك، لم تفارقنا أنت، لم تفارقنا أبدا.

( إهداء إلى صديقي “مؤمن خشبة” الذي فارقناه في مارس 2014 إثر حادث سيارة، وإلى كل الذين فارقناهم لكنهم حتى الآن لم يفارقوننا )

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها