لمن نكتب؟

لم نعد نسمع عن إعجاب أو وفاء قارئ لمؤلف أو كاتب رأي أو صحفي، ولا عن وفاء لمنبر ما، هناك كتب ومجلات وجرائد وطنية، يميل لاقتنائها بعض المغاربة.

عادة ما يطرح الكتاب والأدباء والصحفيون والمدونون وغيرهم من المهووسين بالكتابة، سؤال (لمن نكتب؟)، ليس بهدف جرد وإحصاء قراءهم، ولا من أجل تصنيفهم. لأنهم يدركون مسبقا لمن يوجهون كلماتهم .

عادة ما يخيم الإحباط واليأس على بائعي الجمل والعبارات، والمتصدقين بها، عندما يتبين لهم أنهم كل ما قضوا الساعات من أجل نسجه، من مقالات وقصص وشعر وزجل وآراء وأبحاث ونصائح وعلوم..، ضلت حبيسة الكتب والمجلدات والجرائد والويب. 

نادرا ما تلقى اهتمام عقول المغاربة وانشغالاتهم، وإذا كانت الكتابات تؤثث للصالح والطالح، وتنشر الخير والشر، وإذا كان المستوى الثقافي والتعليمي والأخلاقي لواضع تلك الكتابات يختلف بين العالي والداني والدخيل والمدنس. فإن تلك العشوائية في النشر وغياب المراقبة والتصنيف والتصفيف والغربلة، تسببت في انتشار وباء النفور الذي أصاب القراء وقلص من عددهم.

وتسببت في انحراف حاسة القراءة وتلوث الذوق الفكري، لدى العديد من المغاربة بمختلف أعمارهم، بعد إصابتهم بسوء التغذية الفكرية، وبعد إدمانهم الخطير على قراءة التفاهات والفضائح والسخافة، والاهتمام الكبير بالعناوين المثيرة، والاستمتاع بسرد أخبار صحيحة أو باطلة تضرب في عمق الحيوات الشخصية للأفراد والجماعات، بل إن هناك من بات يكتفي بقراءة العناوين، ونسج مقالات وقصص وأحداث من خياله، يتلذذ بسردها وسط الأصدقاء والزملاء.

لم نعد نسمع عن إعجاب أو وفاء قارئ لمؤلف أو كاتب رأي أو صحفي، ولا عن وفاء لمنبر ما، هناك كتب ومجلات وجرائد وطنية، يميل لاقتنائها بعض المغاربة، ليس رغبة في الاستفادة من مضامينها الثقافية والعلمية والمعرفية والمعلوماتية، ولكنها تدخل في إطار المظهر الخارجي للقارئ ووضعه الاجتماعي أو السياسي أو النقابي أو الحقوقي أو.. وهناك أخرى يعرج إليها هواة الفضائح ومدمني الإثارة، فيما  تبقى البقية الباقية، إما  حبيسة رفوف المكتبات والأكشاك، يتفحصها الذباب والحشرات والجردان، ويقضي حاجته البيولوجية فوقها، ونادرا ما يلمسها بشري، أو تترك عرضة للشمس، لتتحول إلى كتب وجرائد صفراء اللون، علما أن مضامينها قد تكون جادة ومفيدة، ولا تمت للصفرة بصلة، فيما يضطر بعض الكتاب إلى سلك طرق (حفلات التوقيع) من أجل تسويق مؤلفاتهم.

عندما ينشر مقالا بجريدة ما، عن قضية أو حدث ما، فالمراد منه شيئان لا ثالثا لهما، أن يتم توسيع نطاق العارفين بالحدث والقضية ليصبح حدث أو قضية رأي عام، وأن يصل الخبر إلى الجهات المسؤولة، للتدخل من أجل التسوية والإنصاف، وعندما لا يتم التدخل من أجل الإنصاف أو حتى معاتبة الصحفي إن كانت مضامين المقال غير صحيحة، فهذا يعيدنا إلى سؤال (لمن نكتب؟)، كما أن الحكومة التي تسعى إلى تقنين العمل الصحفي، وتنقيته وتطهيره، وتطرح التصريح بالملائمة على المنابر الإعلامية، تتغاضى عن عشوائية أكبر موقع إلكتروني (الفيسبوك)، يعيث فسادا بالمغرب، والذي تمكن من تشغيل كل المغاربة في مهمة مراسلين بدون بطائق مهنية ولا حتى هويات حقيقية، علما أن (الفيسبوك) وغيره من مواقع التواصل هي الأذرع الحقيقية للمواقع الالكترونية، والتي تقوم بتسويق مقالاتها وشرائطها.

لا نستغرب إذا علمنا أن محاضر الأمن الوطني والدرك الملكي وقضاة المحاكم، تقرأ أكثر من بعض الكتب والمجلات والجرائد، وأن هناك صفحات على الموقع الاجتماعي (الفيسبوك)، بات لها صدى وتأثيرا أكثر من عدة منابر إعلامية ومؤسسات تعليمية، بل إن كتب ومقررات المدارس، التي تثقل كواهل التلاميذ وجيوب الآباء، لا يتفحصها التلاميذ إلا بأمر من الأساتذة، وأن معظم الأمهات والآباء يقرؤون مرغمين تلك الكتب ليلا، من أجل الإجابة على بها من أسئلة مفروضة على أبناءهم من طرف الأساتذة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها