مصر التي “للأسف”

كثيرون من أبنائك المكلومين منك ومن قسوتك، اكتشفوا فجأة أن حبهم لك ما زال يتملك قلوبهم، ولو كان بيدهم الأمر لقاموا بلعنك ألف مرة، ومشوا عنك بعيدا بعيدا.

عزيزتي مصر
لا أعلم إن كنتِ ستقرأين رسالتي هذه، أم أن مصيرها سيكون مثل مئات الرسائل السابقة.

لا أعلم تحديدا ما هو شعوري الآن.
الجموع ملأت شوارعك للاحتفال بصعودك إلى كأس العالم.
ذلك الحلم الذي داعب أبناء أجيال الثمانينات والتسعينات والألفية.
الحلم الذي ما كان يقترب حتى يهرب ويبتعد مرة أخرى تماما مثل حلم الثورة.
ولا أعلم تحديدا إذا ما كان شعورنا بالفرحة الآن هو بسبب الصعود للمونديال؟!
أم لأن الحدث أعاد إحياء الأمل في كل ما فات من آمال وأحلام ظنناها مستحيلة.

هذا الحدث أعاد لنا التساؤل، هل يمكن تعود ثورتنا المنكسرة من جديد؟!
بالأمس شاهدت أبنائك الذين يحبونك بصدق، يتمنون أي فرصة للهتاف باسمك، للإعلان عن حبهم لك.

ولكن في كل موقف نسعى فيه للتصريح بحبنا، تحاولين بكل السبل، إثبات أنك غير مهتمة،

تحاصرينا بما يؤلمنا منك أكثر وأكثر؛ لنكتشف أنك مصر التي (للأسف) نحبها ولا تحبنا.
هل تذكري يا مصر حين آلمتنا نكستك منذ خمسين عاما ؟!

حين تسابق محبوك المخلصون على التطوع للدفاع عنك وعن أرضك، وكان من بينهم مطاوع الشاب المصري الذي لم ير لنفسه مستقبل إلا في مستقبلك أنتِ، ورأى جرح الهزيمة تحت ملابسه، ومضى ليثبت لك أنك حبه الأول والأخير.

أعوام تمر من عمره القصير على جبهتك يسقي ثراكِ من عرقه ودمه، لعلك تشعرين بحبه وتبتسمين له.

وحين قدم المهندس مطاوع وزملاؤه النصر لكِ، أشحتي بوجهك عنه لتقدمي ابتسامتك لهؤلاء الرعاع المنتفعين، المتاجرين بالنصر والانفتاح، والذين لم يترددوا لحظة في بيع نصرك الغالي، فقط في مقابل مأدبة عشاء فخمة.

أما مطاوع وأبناؤه فلم ينالوا سوى ارتفاع الأسعار والعيش على الكفاف، وربما الاعتقال أو على أقصى تقدير كارنيه للمحاربين القدماء، والذي يسمح لحامله دخول بعض المتنزهات والحدائق، والتي من المفترض أن تكون للجميع.

لماذا لا تحبيننا كما نحبك ؟!
أتذكرين تلك الفتاة الجميلة سناء حفيدة مطاوع، التي ظلت لسنوات لا تترك أي مناسبة للدفاع عنك من قبضة الظلم والديكتاتورية، إلا وهي حاضرة.
أتذكرين وقفاتها في وسط البلد والتحرير، وعصي الأمن المركزي التي تركت علاماتها على ظهرها، ظلت سناء تقاوم من أجلك، وأنت كعادتك لا تشعرين.

تلقين بخيرك في بطون اللصوص والأفاقين، حتى انتفضت جموع محبيك في 2011، ومن بينهم سناء، ليخبروك بحبهم ويهتفون باسمك لعلكِ تسمعين.

منهم من فقد عينه، ومنهم من فقد حياته، وكثير منهم أهينت كرامته في معتقلاتك، وحشود المحبين خرجت من أجلك، وما كان منك إلا أن أدرت لهم ظهرك.
أدرت ظهرك للمستقبل من أجل حفنة من العجزة العاجزين الذين لم يتوانوا حتى في بيع شرفك حين سنحت لهم الفرصة.
عادت تلك المدرعة التي قادها مطاوع من أجل النصر، عادت من الجبهة واستدارت إلى الميادين لتدهس أحفاده بكل وقاحة وبرود.

للأسف ظننت أنا وكثيرون غيري أننا بالفعل تخلصنا من حبك ومات داخلنا، فالقسوة بالتأكيد تقتل الحب، والدم يقتل الحب، وانتهاك الكرامة والحرية لا يدع أي مجال لأي حب.
لكن كثيرين من أبنائك المكلومين منك ومن قسوتك، اكتشفوا فجأة أن حبهم لك ما زال يتملك قلوبهم، ولو كان بيدهم الأمر لقاموا بلعنك ألف مرة، ومشوا عنك بعيدا بعيدا، وربما تسنح لهم الفرصة أن ينسوك وينسوا ما كان منكِ.

لكن الحب مرض، ونسيانه رفاهية، اكتشفنا بالأمس أننا لا نملكها، ولكن ماذا كان منك في المقابل ؟!
قمتي بدعوة الرعاع والمنتفعين ليتصدروا المشهد.
وليرقصوا ويتغنوا على فرحتك وليس بها.
لينزل محبك الحقيقي إلى الشوارع لا يملك من المال ما يستطيع أن يعود به إلى بيته، لا يعود منها إلا بعرقه وابتسامته، محتفلا بانتصار يسرقه أوباش يعتلونك محتفلين بالفرصة التي ستزيد ملايينهم ملايين أخرى، وستزيد عشاقك الحقيقيين فقرا وظلما واعتقالا، وربما قتلا باسمك.

عزيزتي مصر، عدت بالأمس لتؤكدي لنا.

أنك مصر التي (للأسف) نحبها، ولكنها لا تحبنا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها