مستقبل المصالحة الفلسطينية

لن تجيبنا الأيام القادمة حتما بوفاء الشركاء ولا بنبل الوسطاء ولا بغفلة الأعداء، ولا بأخبار سارة لما يجري من مفاوضات في الفنادق، وإنما حتما فيما تعده حماس في الخنادق.

أسئلة كثيرة تحتفظ الأيام القادمة بالإجابة عنها، وقراءات متباينة حول المصالحة الفلسطينية التي تسير بخطى متسارعة وتتخطى جدران عالية صنعتها أطراف الوساطة بين أطراف المصالحة.

بالأمس فقط كان دحلان على الطاولة بديلا عن عباس، وقبله بقليل كانت حماس المنظمة الإرهابية التي يجب استئصالها، وقبلهما كان صفقة القرن المشروع الرئيس الذي تدور حوله كل المشاريع والخطط واللقاءات من أجل تصفية القضية الفلسطينية والتخلص من سلاح المقاومة، وترتيب حياة جديدة للفلسطينيين ليس فيها جهاد ولا استشهاد، ومساحة واسعة قد تمتد إلى سيناء يعيشون فيها في رغد وسعة ورفاه، قد تدبروا تكاليفها، فلا يفكر الفلسطينيون في الرجوع إلى حياة البؤس والحصار التي أورثتها لهم حماس، ويعيشوا كبقية البشرفي أمن ورفاه وسلام، فيتحقق للكيان الصهيوني وحلفائه من العرب والغرب بالمنحة ما لم يتحقق لهم بالمحنة، ومن أجل هذه الصفقة آثر ترمب أن يتريث في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأجّل الوسطاء سعيهم الأول لتولي رئاسة دحلان السلطة بدلا عن عباس، ويتهيأ أمراء ورؤساء دول عربية جديدة لتقبل هذه الصفقة ودعمها.

ولايزال المراقبون يترصدون كل خطوة يقوم بها الراعي لهذه المصالحة ويترقبون الخطوات الموالية، وهو نفسه الراعي الأساسي لصفقة القرن بعد ما حقق نجاحات في رعاية الثورة المضادة والانقلاب على المؤسسات المنتخبة، ويتذكرون كيف كان يهيئ لهذا الانقلاب بصبر وكيد كبيرين وهو يجانب الرئيس المنتخب يغمر وجهه الحياء وتغمر مشيته الوداعة والوقار. ويقارن هذه الأيام بتلك، فالشخص نفسه والجماعة ذاتها، والمشروع بعينه (التمكين والتحرير) وهما هدفان متلازمان لهذه الجماعة منذ نشأتها، تقاسمها جناحها السياسي والدعوي في مصر، وجناحها العسكري في فلسطين.

ليأتي السؤال االكبير: هل تعيد الجماعة خطأها في الثقة بهذه الأطراف وهي تجزم بأنها تدبر لمكيدة ما عاجلا أم آجلا؟، أم انها تحوطت وأعدت وتحصنت بما يكفي، لتخرج من الزاوية الضيقة التي حشرت فيها، وتحقق أهدافها المرحلية بتسجيل النقاط وقد تفاجئ الخصم بالضربة القاضية؟، وقد عودتنا حماس على المفاجئات والانتصارات، ورأينا العدو الصهيوني في أكثر من مرة وهو يجر أذيال الهزيمة.

أم وجدت حماس نفسها بين خيارين لا ثالث لهما: خيار الانفجار عليها من أهل القطاع بعد نفاذ صبر أهل القطاع، أو انفجارها في وجه المحتل الصهيوني بفتح معركة في غير التوقيت المناسب وهي تتلمس خطوات مهمة في التسليح والتدريب والتطوير.

ولن تجيبنا الأيام القادمة حتما بوفاء الشركاء ولا بنبل الوسطاء ولا بغفلة الأعداء، ولا بأخبار سارة لما يجري من مفاوضات في الفنادق، وإنما حتما فيما تعده حماس في الخنادق وما تهيؤه من جيوش وفيالق، ولن يتصالح شعب فلسطين إلا على المقاومة ولن يقدم شبر من أرضه للمساومة، وإنما هي استراحة محارب، وصلح بين أبناء الشعب الواحد فرض وواجب،  وسيذوق الصهاينة وأعوانهم هزيمة القرن، أما صفقة القرن فإنما هي ريح استعجلوا بها “فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا، بل هو ماستعجلت به ريح فيها عذاب أليم” الأحقاف.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها