كورونا من هول الصدمة إلى التعايش (١)

عمليات تعقيم داخل مطار الغردقة لمكافحة كوفيد-19

كورونا لطمة قاسية للعالم أجمع، لكن قساوتها الأكثرايلاما، تلقاها العالم العربي والمواطن العربي، لطمة قاسية نبهت ربما الإنسان العربي إلى الجلوس مع الذات والالتفات لكثير من الأمور.

يتناول هذا المقال قصة مرض كوفيد-19 الذي يسببه الفيروس التاجي كورونا، وذلك في ثلاث حلقات متوالية، ويستحضر المقال في قالب أدبي جملة من المعلومات والمعطيات حول المرض ابتداء من ظهوره، وإعلانه وباء عالميا من منظمة الصحة العالمية، وإلى غاية السيطرة عليه في بعض البلدان ومحاولة احتوائه في أحيان أخرى، وظروف التعايش معه التي لابديل لها في ظل غياب لقاح ناجع ضده.

ويسلط المقال الضوء على الموضوع انطلاقا من تباطؤ وتراخي منظمة الصحة في اعلانه جائحة عالمية، وهول صدمته على الناس عامة، وشدة لطمته للعالم العربي خاصة، مرورا بما كرسه من انطباعات لدى المواطنين في بلدان العالم، وما صاحبه من مظاهر سلوكية في زمن الحجر الصحي، وتوقفا عند جودة الحياة النفسية في سياق انتشار العدوى، وانتهاء برسائل كورونا ومسار التعايش معه.

الصين الغامضة … وورطة منظمة الصحة العالمية: شيء ما حدث في بلاد الصين، اشارات لوجود عدوى غامضة في مدينة ووهان الصينية، طبيب يوجه تحذيرات من فيروس مجهول، ويدق مسامير في نعش الصمت حيال مرض مبهم وخطير، لكن يتم اعتقاله..

ويطلب منه أن يعتصم بالصمت.. ثم تكون نهايته وهو يداوي مرضاه بسبب إصابته بالفيروس الذي اكتشفه واستشعر جلله، وصرخ محذرا منه..

معطيات شحيحة ومعلومات قليلة.. وأنباء متضاربة… عدوى تقتل.. لكن حقيقتها لم تنجل بعد.. منظمة الصحة العالمية تتلكأ في إعلان حالة الطوارئ، واللايقين هو سيد الموقف..

بعد مرور شهر كامل.. لم يعد هناك مجال للتغطية أو التستر.. فواقع الحال يوحي بأن عاصفة ظلام قادمة، إنها عدوى تنفسية تنتشر، آلاف المصابين وعشرات الموتى..  الثالث والعشرين (23) من يناير 2020، المنظمة لم تعلن حالة الطوارئ بَعد، ولم تشر إلى الدول بأغلاق مجالاتها..

في ظل كل هذه الأحداث يجد الذهن الإنساني نفسه في أمواج متلاطمة من الفوضى في المعلومات لا تكاد تنتهي عن المرض وخطورته وكيفية انتقاله وسبل الوقاية منه ومسار التعايش معه… فكيف يفلتر(يصفي) ويعيد الذهن بناء كل هذه المعلومات؟

فالأمر ليس مقلقا إلى هذه الدرجة… لكن المصابين بالعدوى يتضاعفون، والموتى يتزايدون… لم يعد هناك مجال للشك والريبة أو نطاق للتحقيق واستجلاء الحقيقة..، وابل من الضغوط وسيل من الانتقادات، تمطر المنظمة العالمية -التي تعد بمثابة المنتدى الصحي الدولي الوحيد الذي يمكن أن يثق فيه سكان العالم -المقدر عددهم بنحو 7.7 مليارات نسمة- في مجال الصحة.

وفي ظل تفاقم الوضع والانتشار السريع للعدوى..  منظمة الصحة العالمية تقرع أجراس الخطر وتعلن حالة الطوارئ العالمية في الثلاثين (30) من يناير/كانون 2020. ورغم إعلان حالة الطوارئ الصحية لم يعلن عن تسمية المرض من طرف منظمة الصحة العالمية إلا في الحادي عشر (11) من فبراير شباط، حيث تم إطلاق اسم “كوفيد-19” على المرض الذي يسببه فيروس كورونا المستجد. ولم يصنف هذا المرض جائحةً دولية ، إلا بعد تسجيل 118 ألف حالة من المصابين في 114 بلدا في العالم.

هول الصدمة.. وقسوة اللطمة..بعيدا عن الاتهامات الموجهة إلى منظمة الصحة العالمية بخصوص التستر على انتشار الفيروس واستصغار خطره، فبُعيد إعلان حالة الطوارئ العالمية، واستعداد الدول لحالة الحجر الصحي في ظل الانتشار السريع للفيروس ،الذي أضحى وباء عالميا، ثم جائحة تحصد الأرواح، بدأ التوجس والخوف يدبان إلى النفوس، وشظايا الذهول تسري إلى الأفكار.. والتباعدات والتوترات و(القطائع..) يتردد صداها، وتصدعات الفهم والتأويل يتسع مداها.. وصداه عام في كل مكان من هذه المعمورة…

إنها صدمة حقيقية، حيث القاسم المشترك بين البلدان التي لحقتها  العدوى، هي أن المشهد نفسه يتكرر.. مستشفيات مليئة بالمرضى، ومستعجلات لا تنام، وفرق طبية لا تكاد تجد طعم الراحة، ونفوس ترحل، وأخرى تشفى وثالثة قد تصاب في أي لحظة…في بؤرة مهنية أو عائلية أو غيرها..

تفشي وباء كورونا في العالم

 

كل هذا يصاحبه حجر في المنازل، وطوارئ في المؤسسات والشوارع، فالدول أوصدت مجالاتها الجوية والبحرية والبرية، وأوقفت الحركة فيما بين مدنها، وقيدتها ما بين قراها، والناس أغلقوا منازلهم، حيث الملاذ الوحيد من العدوى والركن المتين للنجاة من الفيروس هو البقاء في البيوت إلى أن يرتفع الداء في ظل غياب الدواء. مساجد مقفلة ماعدا مآذنها، وكنائس أوصدت أبوابها وقرعت أجراس التوجس والخوف، وأماكن التجمعات من مقاهٍ ونوادٍ وملاعبَ … خاوية من زبناء اعتادوا الحضور، والأزقة والأسواق التي تعودت حركية الناس وضجيجهم فارغة، إلا من حواجز منع العبور، والمدارس والجامعات غير مرحبة بمرتاديها إلى اشعار آخر…

إلى جانب الصدمة الكبيرة كانت كورونا لطمة قوية تلقاها العالم كافة نتيجة لهثه وراء سراب المادية وما تتيحه التقنية، وإعراضه عن المعرفة لذاتها، وتفريطه في القيم الانسانية، والسماح بتغول الرأسمالية المتوحشة…واهماله للخدمات الصحية المجانية. وتوفيره ميزانية  للأبحاث العلمية أقل ما يقال عنها أنها بخسة ولا تشجع على البحث والتطوير.. 

 كورونا لطمة قاسية للعالم أجمع، لكن قساوتها الأكثر ايلاما، تلقاها العالم العربي، لطمة قاسية، قد تجعل العالم العربي يعيد الاعتبار إلى التعليم ويهتم بالصحة ويقوي البنية الاقتصادية ويولي اهتماما أكثر بالبنية الاجتماعية والفكرية والثقافية والنفسية

كانت كورونا لطمة قاسية للعالم أجمع، لكن قساوتها الأكثر ايلاما، تلقاها العالم العربي والمواطن العربي بشكل خاص، لطمة قاسية نبهت ربما الإنسان العربي إلى الجلوس مع الذات والالتفات إلى الكثير من الأمور المنسية.. لطمة قد تجعل العالم العربي يعيد الاعتبار إلى التعليم ويهتم بالصحة ويقوي البنية الاقتصادية ويولي اهتماما أكثر بالبنية الاجتماعية والفكرية والثقافية والنفسية…. ويستيقظ من دوامة الجهل ويخرج نفسه من عنق زجاجة ثقافة الاستهلاك، و وحل الجهل، وغواية التقليد الأعمى، ويقطع مع سلوك التعصب والعناد، ويقلل من الانشغال بالترفيه والحفلات.. وأن يستثمر لصالحه صدمة الأزمات..

فكر يخشى الفراغ.. وعقل يبحث عن  ميكانزمات التوازن

يصاحب كل حدث عالمي مجموعة من الـتأويلات تنتشر لدى عامة الناس..، خاصة في ظل ندرة معطيات عامة وواضحة، ولأن العقل الانساني يخشى الفراغ ويبحث دائما عن ما يجعله متوازنا فكريا، نجد أن كورونا صاحبته الكثير من التصورات على شكل ايديولوجيات أو اتجاهات أو معتقدات…

فالناس صنعوا عالما من التمثلات/التصورات كي يستوعبوا صدمة كورونا… تمثلات تذكيها متابعة الأخبار ورصد ما ينشر من أنباء، وترقب رزنامة مستجدات المصابين وأعداد الموتى وأرقام المتعافين، وما ينقل من تصرفات رؤساء الدول وتصريحاتهم، والصحفيين واعلامهم والكتاب و تدويناتهم ، والمفكرين والأطباء واجتهاداتهم.

سيل جارف من المعلومات، وكم هائل من المعطيات، وموجة عارمة من الشائعات.. وفي ظل كل هذه الأحداث يجد الذهن الإنساني نفسه في أمواج متلاطمة من الفوضى في المعلومات لا تكاد تنتهي عن المرض وخطورته وكيفية انتقاله وسبل الوقاية منه ومسار التعايش معه… فكيف يصفي ويعيد الذهن بناء كل هذه المعلومات؟ وكيف يحافظ العقل على توازنه في ظل هذه التجاذبات في الأخبار والمعطيات؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها