‍العالم يتخبط في ميونيخ!

محاولات التشويش على الحضور القطري في ميونيخ لم تنجح رغم الأموال التي أُنففت.

 

حالة من التخبط، وعدم وضوح الرؤى، ظهرت جلية في مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية، الذي اختتم فعالياته مساء 18 فبراير/شباط بحضور ممثلين من خمسين دولة بينهم 21 رئيسا.

لم يمر المؤتمر منذ أول دوراته قبل 54 عاما بمثل هذا الكم من التحديات والمشاكل العالمية؛ فالتهديدات خطيرة وجدية في الشرق الأوسط، وكوريا الشمالية، والمشكلة الروسية الأوكرانية فيما يختص بشبه جزيرة القرم.

العالم العربي كان موجودا بكثافة هذا العام، بكل تناقضاته، ومشاكله، وإحباطاته، وإذا كان هذا المؤتمر بمثابة ساحة مفتوحة للنقاش وتسليط الضوء على قضايا بعينها، فيلزم التنويه بأن قراراته ليست ملزمة لأطراف الحوار.

أبرز ما جاء في مؤتمر هذا العام هو الاهتمام الأوربي بالاستقلال في القرار بعيدا عن الإدارة الأمريكية، والتركيز علي التعاون العسكري الأوربي خاصة بعد خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد، لهذا أعلنت المانيا وفرنسا عن عزمهما الدخول في مشروع مشترك لتصنيع دبابة جديدة كنوع جديد من أنواع التحالف الأوربي البعيد عن المشاركة الأمريكية. 

أضفت مشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في المؤتمر نوعا من الجدية على مناقشة الأزمة الخليجية، والحصار الذي تتعرض له قطر، فيما أحبطت تلك المشاركة وكلمة الأمير عن الدور القطري في مكافحة الإرهاب كل الأصوات التي جاءت خصيصا إلى ميونيخ لمحاولة التشويش على الحضور القطري.

في كلمته ثمّن الأمير دور الاتحاد الأوربي في حل النزاعات الإقليمية سلميا، وقال ”  نحن في منطقة الشرق الأوسط في حاجة إلى ذلك ، كما أنه أشار إلى كيفية التعايش بين دول الاتحاد رغم الاختلافات السياسية ضاربا المثل “بالبريكسيت” أي خروج بريطانيا من دول الاتحاد دون اللجوء إلى سفك الدماء والعنف.

التشويش

محاولات التشويش على الحضور القطري في ميونيخ لم تنجح رغم الأموال التي أنففت على تنظيم ندوتين للتشكيك في الحضور القطري، الندوة الأولى عقدت قبل يوم واحد من ميعاد انعقاد أول أيام المؤتمر، والثانية عقدت بعد هذه الندوة بيومين بالتوازي مع أول أيام انعقاد المؤتمر، غير أن الندوة الثانية تمت في ظل حضور أمني مكثف من أجل تلافي أي أخطاء كما حدث في الندوة الأولى.

تحدث في تلك الندوة صحفيان فرنسيان هما ريشارد لابافير ويان هامل إضافة إلى عبد الرحيم علي رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في باريس، وتيو بادنوس المعتقل الأمريكي السابق في سجون جبهة النصرة.

الغريب أن ريتشارد لابافير لم يوجه انتقاداته إلى قطر وحدها بل إلى السعودية وتساءل عن أموال الزكاة وفيما تنفق، ثم عرج للتحدث عن كتابه “الإرهاب الوجه الخفي للعولمة”، وما جاء فيه بخصوص العقود التي تبرم بين أنظمة دول عربية وشركات أوربية تصب في مصلحة الجماعات الإرهابية.  

لم تكن تلك المؤتمرات التي أُنفق فيها الكثير من الأموال لتشويه قطر ناجحة، ولم يذكر فيها دليل واحد علي ضلوع قطر في مساعدة الإرهاب، بل ركزت معظم كلمات المتحدثين علي الإخوان المسلمين ودورهم في أوربا من خلال استعراض مقتطفات من كتاب “مسجد في ميونيخ” ،  أو لماذا انهار بنك التقوي؟، ولماذا اختار يوسف ندا بلدة كوبان السويسرية  ذات الطبيعة الخاصة في الضرائب للعيش فيها؟  وماهي علاقته بالكازينو الوحيد في البلدة؟  وما هو مشروع “غزو الغرب” الذي عثر عليه في منزله عام 2001 المكون من 14 ورقة تصف ما يجب أن يفعله الإخوان في أوربا والغرب للسيطرة عليه!

الوضوح

أمير قطر كان واضحا في كلمته عندما فند أسباب الإرهاب في المنطقة، وأرجع ذلك إلى انعدام الحكم الرشيد، وزيادة المعاناة والظلم، وقال كلها أسباب واضحة لتفشي الإرهاب عالميًا وذكر بوضوح أن المبادئ الدينية المتطرفة موجودة في كل الثقافات ولا تحتكرها المنطقة العربية وحدها، لهذا فإن اتهام الأيديولوجيات المتطرفة بأنها سبب الإرهاب العنيف تبسيط مبالغ فيه للأمور، ولا يمكن اعتماده وحده لتفسير الإرهاب.

استبق أيضا أمير قطر المؤتمر الذي سيعقد في 26 أبريل/نيسان القادم في فرنسا برعاية الرئيس الفرنسي وستشارك فيه 50 بلدا بمشاركة دول الخليج وإيران لمناقشة وقف تمويل الإرهاب، قائلا إن الفشل النمطي للحكومات في منطقتنا الخاص بتلبية الحاجات الأساسية لشعوبها هو الذي يمهد الطريق أمام الإرهاب، كذلك الدور الذي تلعبه هذه الدول نفسها في عرقلة جهود الإصلاح الأساسية.

مرت أيام المؤتمر بسلام رغم التوتر الذي شهدته شوارع ميونيخ وفنادقها بسبب كثرة الضيوف المختلفين، رغم أنهم كثر إلا أن الجميع في قرارة نفسه ينشد أن يحل السلام، وتختفي الصراعات من أجل مستقبل أفضل.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه