يحدث في برشلونة

عبير الفقيه*

في برشلونة استغلوا برامج الألعاب بشكل إيجابي ونجحوا..
فأن تمنع طفلك تماما من اللعب، والهاتف، واللوحة الرقمية بين يديه, فهذا أمر يكاد يكون مستحيلا, أمّا أن تحوّله من لعبة الى أخرى فهذا أمر يمكن التفاوض فيه.

من هذا المنطلق و بالتسليم بأنّ وسائل الاتصال، والترفيه الحديثة اجتاحت كل الأعمار وأصبحت ترافق جميع نشاطاتنا, فإنّ موجة من مشاريع الشراكة و التنسيق تحرص عليها حكومات العالم المتقدّم عبر وزارات الثقافة، والتربية و التعليم، والبحث العلمي لمواجهة خطر الإدمان المرضي الذي أصاب المستعملين من خلال طرح ثقافة ألعاب بديلة؛ تعليمية لمختلف الأعمار.

يتركّز الدّعم الحكومي في هذه البلدان على برمجة ألعاب تعرّف بتاريخ البلد, وبجغرافيته, وبعاداته وتقاليده… بشكل يحفّز المشترك على تحصيل كمّ معلوماتي أكبر باعتبارها ألعاب تنافسية تسمح باللعب عن بعد مع لاعبين افتراضيين، وغالبا ما تحدد مستويات اللعب الفئة العمرية.

 لنضرب مثلا لدولة ذات نسق تكنولوجي متواضع, وأنت تتصفّح برمجيات هاتفك الجوّال الذكي في برشلونة, تعترضك برمجيات في شكل ألعاب اختبارية قائمة أساساً على التعريف بتاريخ المدينة,  في شكل أسئلة. كلّما  أجبت صوابا على سؤال, جمّعت نقاطا. وعلى هذا الاساس يتم توسيع دائرة الّلعب, بين الاطفال في المدارس أو النوادي والكهول في مستويات أخرى.

 ربما يبدو الأمر مُملّا لشريحة معيّنة من المجتمع، و لكن في الحقيقة, يحظى هذا النوع من الاهتمامات، بصدى كبير لدى العائلات الباحثة عن بدائل لثقافة العنف والغباء التي تحتويها أغلب الالعاب و البرامج المطروحة.

باعتباري مستخدمة لهذا النوع من الألعاب, في إطار تشجيع ثقافة البدائل من جهة وتشجيع التعريف بتاريخ بلد شيّد صروحاً قيّمة, فأستطيع القول إن هذه البرامج تهدف لأن تجعل من طفل الثماني سنوات عارفا بشخصية المهندس “ايدفونس سيردا” الذي ترأس التخطيط العصري الحالي لمدينة برشلونة والمشهود له بدوره المفتاح في سلاسة حركة النقل، وسهولة التوصل الى كل العناوين، من خلال دوره في تقسم المدينة على شكل مربّعات متجانسة تقريبا. كل مربّع يمثّل تجمّعا سكنيّا.

إضافة الى ترسيخ اسم المهندس الأسطورةأانطونيو غاودي من خلال أعماله الخالدة في برشلونة، وعلى رأسها الشكل الجديد لكنيسة العائلة المقدّسة ساغرادا فاميليا, أكثر الأماكن استقبالا للسياح في مقاطعة كاتالونيا. وكذلك  بقية أعماله العشرة المصنّفة في التراث الإنساني، دون نسيان أهم المحطات التاريخية التي أثّرت في تاريخ المدينة الحديث, أهمّها دورة الألعاب الأوليمبية في 1992 وما قام به على مستوى البنية التحتية.

من المؤكّد أنّ مثل هذه البرامج الرّائدة لا تتطلّب دعما مادّيا كبيراً لتحقيقها, وعدد مستعملي الهواتف الذكية في ارتفاع مُذهل في كل انحاء العالم, بما في ذلك عالمنا العربي على فقره, وخدمة الإنترنت تكاد تغطي كل المناطق, بقي احتاجنا للإرادة. فماذا يعيق الوزرات المختصة لتعمل على نشر وترسيخ تاريخنا، وجغرافيتنا في أذهان النشء؟ .

إن توجيه هذا النوع من الاهتمامات نحو شريحة الأطفال مثلا في شكل ألعاب تفاعلية, تساهم بشكل كبير في إرساء هذه الثقافة في هذه الشريحة العمرية لعلّها تكبر بهذا الشّغف المعلوماتي.
البلدان العربية لا تنقصها الكفاءات.. فهل ترانا يوماً قادرين على تسويق مثل هذه الأفكار؟

___________________

*كاتبة تونسية مقيمة في برشلونة

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه