وما نيل المطالب بلعن “حمدين صباحي”

ليست هذه المرة الأولى التى أستخدم هذا العنوان لمقال لي فقد استخدمته مع اختلاف بسيط منذ اثنى عشر عامًا، وتحديدا عام 2005 بعد انتخابات مجلس الشعب، عندما كتبت مقالاً بعنوان “وما نيل المطالب بلعن الإخوان” وهو المقال الذى كان أحد مبررات فصلى من عملي آنذاك.

لعن الإخوان

فى هذه الانتخابات حصلت جماعة الإخوان على عدد كبير من مقاعد البرلمان بالمقارنة بما حصلت عليه أحزاب المعارضة الرسمية، والتي حققت أرقامًا هزيلة جدًا، وكتبت المقال انتقدت فيه الهجوم الذي شنته الأحزاب الرسمية على  جماعة الإخوان، باعتبارها مسؤولة عن فشلهم فى الحصول على مقاعد في البرلمان. وتغاضى قادة الأحزاب المعارضة عن السبب الرئيسي لفقدانهم ثقة الجماهير، والذى ذكرته فى المقال بهذا النص الذى ذكرت فيه أن هذه النتيجة “بسبب العلاقة السلبية بين الشعب المصري من جهة والتحالف بين المعارضة الشرعية ومؤسسة الحكم الرسمية وحكوماتها ذات الملامح واضحة الفساد من جهة أخرى، وهو ما شكل حالة من العزوف الجماهيري عن هذا التحالف الرسمي، والاتجاه نحو القوة الوحيدة التي حمل خطابها نوعاً من الاستقلالية عن الشرعية الرسمية ذات الصفات الخبيثة والمكروهة بوضوح من المصريين، وبصرف النظر عما إذا كان لدى الإخوان برنامج سياسى واضح أم لا، فلا أحد يبحث عن مواصفات طوق النجاة، وهو ما مثله الإخوان للمصريين الذين عانوا فى الفترة الأخيرة ويلات الفقر والفساد، وتخلي المعارضة الرسمية عنهم، واهتمامها بالبحث عن موضع لها في التشكيل الرسمى وفوائده العظيمة”.

نفس الحالة تتكرر اليوم، وهو ما دفعني إلى كتابة هذا المقال بعنوان “وما نيل المطالب بلعن “حمدين صباحي” الذي تحول إلى هدف لنيران معظم مجموعات أنصار الشرعية التى تناهض حكم السيسى، باعتبار أن حمدين هو المسؤول الوحيد عن وجود السيسي فى الحكم، بعد أن قبل دور المنافس الشكلي (من وجهة نظرهم) له فى الانتخابات التى أعقبت الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وهو ما رآه أنصار الشرعية سبباً رئيسيًا فى إضفاء الشرعية على حكم السيسي المغتصب للحكم الشرعى من الرئيس المنتخب. وكما تغاضت القوى المدنية عام 2005 عن الأسباب الرئيسية لعدم حصولهم على مقاعد فى البرلمان، وحصول الإخوان على عدد كبير من المقاعد، تغاضى أنصار الشرعية عن الأسباب الحقيقية وراء نجاح السيسي فى الاستيلاء على الحكم، وحملوا المسؤولية كاملة لحمدين صباحي، رغم استمرار معارضته لنظام السيسي وحكمه إلا أنهم اعتبروا أن تأييده لانقلاب 30 يونيو ونزوله الانتخابات أمام السيسي كان السبب الرئيسي فى نجاحه فى الاستيلاء على الحكم، وامتدت حالة الدروشة إلى الهجوم على حمدين كلما اتخذ السيسي قرارًا ضد مصلحة الشعب المصري “وما أكثرها”، وأصبح الهجوم على حمدين هو الرد الوحيد من هؤلاء على سياسات السيسي القمعية، وأصبح لعن حمدين هو الطريق النضالي الآمن لمواجهة الجنرال السيسي!!!

ملاحظات حول الوضع

الأسبوع الماضي أعلن حمدين صباحي أنه لن يخوض الانتخابات، وطالب القوى المدنية كلها أن تتوافق على مرشح رئاسي لمواجهة المرشح العسكري عبد الفتاح السيسى، وبدلا من أن يبدأ أنصار الشرعية خطوات جادة نحو مواجهة الحكم العسكري وجهوا نيران غضبهم إلى حمدين مرة أخرى، دون اتخاذ أى خطوات عملية تجاه مناهضة هذا الحكم الذي أثبت فشله سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا!!!

أرجو أن يتسع صدركم لما سأكتبه من ملاحظات حول هذا الوضع..

الملاحظة الأولى: أن المساندة الجماهيرية للإطاحة بالرئيس الشرعي محمد مرسى فى 30 يونيو، لم تكن مساندة جماهير مأجورة أو مغرضة، بل كانت الجماهير تحمل أسبابًا، بعضها يرجع للمؤامرة التى أحبكتها الدولة العميقة وأجهزة المخابرات على ثورة 2011 والبعض الآخر كان نتيجة أخطاء جماعة الإخوان، وخاصة فترة تولي محمد مرسي الحكم، هذا بالإضافة إلى أخطاء كل القوى المدنية فى تحليل الواقع وكشف المؤامرة التى كانت تحاك ضد الثورة والحكم المدني، وتستهدف عودة النظام السابق فى أسوأ أشكاله العسكرية، ومن أجل عدم تفتيت وحدة الصف لا أريد الإفراط فى مناقشة هذه الأخطاء التى كان نتيجتها شبابًا دفعوا أرواحهم ودماءهم ثمنًا لها فى محمد محمود وماسبيرو ورابعة والنهضة على يد قاتل واحد كان الجميع يسعى لنيل رضاه والتحالف معه.

الملاحظة الثانية: أن جماعة أنصار الشرعية من كل الاتجاهات يرتبط وجودها الفعلي باستمرار الحكم العسكري القائم، والذى إذا اختفى وحل محله حكم مدني شعبي انتفت ضرورة وجودها، وتحولت إلى تشكيل فلكلوري على غرار الملكيين فى فرنسا، وهو الوجود الذي يرتبط بمصالح الكثيرين منهم، حتى أن بعضهم يرى أن من مصلحته استمرار الحكم العسكري حتى لو تغيرت رموزه لضمان استمرار حالة المطالبة بعودة الشرعية والرئيس المنتخب، وهي الحالة التي تضمن استمرار تشكيلهم واستمرار مصالحهم رغم تأكدهم أن عودة الرئيس محمد مرسى للحكم أصبح لا يمثل ضرورة سياسية حتى لجماعة الإخوان المسلمين، التى تتعامل مع الواقع بشكل يحمل خبرة ليست قليلة تجعلها حريصة على استمرار وجودها فى المعادلة السياسية بحرية أكثر من حرصها على عودة الرئيس الشرعي للحكم فى هذه المرحلة على الأقل.

الملاحظة الثالثة: أن النظام الملقب بالدولة العميقة، والذى يشمل كل معطيات ورموز السنوات الثلاثين الماضية ما زال يمتلك القدرة على التلاعب بالقوى السياسية المعارضة، وبث الفرقة بينهم، ولهذا لم يكن غريبًا أن تتفق ألفاظ وعبارات الهجوم على حمدين صباحى من الإعلام الحكومى التابع لنظام السيسى مع نفس الألفاظ والعبارات التى يهاجم بها أنصار الشرعية حمدين الصباحى، وطبيعي أن تكون نتيجة الصراع الأخيرة بين قوى المجتمع المدني لصالح استمرار الحكم العسكري.

الملاحظة الرابعة: إن جماعة الإخوان المسلمين ذاتها فى مأزق كبير، أسبابه تتعلق بحالة المراجعات داخلها ووجود معظم رموزها ما بين السجون والتشريد فى الخارج، أما المأزق والحرج الأكبر هو خضوعها لابتزاز وضغوط جماعة أنصار الشرعية التي تفرض على جماعة الإخوان أچندة تحركات وأولويات تتعارض مع أولوياتها، وتقيد من حريتها، وتجعلها أسيرة مطلب واحد، وهو عودة حكم محمد مرسي باعتباره الحكم الشرعي.

الملاحظة الخامسة أنه رغم فشل الحكم العسكري على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وانهيار المجتمع المصري فى كافة النواحى، إلا أنه يتمتع باستقرار لا ينبع من قوته بقدر ما يستند على تشرذم القوى السياسية المدنية، وانقسامها إلى فصائل مشغولة بمحاربة بعضها فى شكل هزلي وصل إلى حد أن لعن حمدين صباحي أصبح أكثر أهمية من الدعوة لمواجهة الحكم العسكري والثورة عليه.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه