وقف الحراك الثوري

الاستبداد هو حالة شبيهة بالاستعمار العسكري لأي دولة، خاصة أن المستبد يعتمد في حكمه على طغمة عسكرية تتعامل مع الشعب بسلاح الترهيب والعنف، وتعتمد سياسة القمع والانتقام، شأنه في ذلك شأن الاستعمار الذي يحرص على التخلص من كافة الأصوات الحرة قدر استطاعته، تلك الأصوات التي من المحتمل أن توقظ ضمائر الشعوب وحميتها وتبعث فيها وازع الشعور بقيمة الحرية، والحق في امتلاك مقدرات بلادها.

وآفة الاستبداد في بقائه لفترات طويلة تستغرق أجيالا متوالية ، ففي هذه الحالة يأخذ الفرصة كاملة في تربية الشعوب علي سوء الخلق، وسوء الطباع، ما يجعلها ترضخ وترضى بإجراءاته التعسفية، ويقتل فيها أي طاقة غضب ويحولها لطاقة حقد طبقي غالبا ما تنفثه في بعضها  بعضا ، فنجد مجتمعا متشاحنا تكثر فيه السرقات وينتشر فيه القتل وذلك من جراء انتشار الجوع والاحتياج ، مجتمع لا يهمه حرية ولا دين ولا أخلاق بقدر ملء البطون ، وتسوء حالة التعليم لأن المستبد يخشي العلم والمتعلمين فهو يسفه من أفكارهم ويقلل من شأنهم فيزهد الناس فيه أو يهربون لخارج البلاد بعلومهم وتتدهور الصحة وتنتشر المخدرات هروبا من حالة الضياع الاقتصادي والاجتماعي، كل هذا والمستبد في مأمن من غضبة شعبية موجهة له يتحكم هو بها مستأثرا بمقاليد الأمور هو وحاشيته المقربة المستفيدة من بقائه في سدة الحكم .

المقاومة 

ويجب أن تكون مقاومة الاستبداد بانتهاج سياسة المفاجأة وإنهاك قوة المستبد ومحاولة جعله في حالة انشغال دائم بالحراك المقبل، فكل تراجع للمقاومة هو إعطاء فرصة للقوة المعادية للملمة شملها واستجماع قوتها لشن ضربات موجعة للثوار، ومن هنا يجب أن يحرص قادة الحركة الثورية ــ مهما كان حجم تلك الحركة كبيرا أو صغيرا ـــ أن يظل الحراك الثوري مستمرا ومتجددا ومتنوعا وغير متوقع للمستبد حتى لا يستعد للضربة المقبلة بضربة أشد منها أو يحبطها، سواء كان حراكا سلميا خالصا أو عنيفا مبدعا.

والنموذج الاستبدادي الصارخ في مصر والذي يتبعه في نهجه النموذج السوري والعراقي واليمني وعلي دربه بعض الأنظمة العربية الأخرى، تلك النماذج يجب أن تلقي الاهتمام الكافي من قبل المفكرين والمهتمين بالشأن السياسي علي الصعيدين العربي والإسلامي لمؤازرة تلك الشعوب ورسم خطة تنفيذية على المدي القريب والبعيد للتخلص من تلك الأنظمة الدموية والتي تهدد بقاء شعوبها وحتى أراضيها

في مصر انتهجت الحركة الثورية المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها كقائد للحراك الثوري المنهج السلمي لمقاومة الانقلاب والاستبداد القابع علي صدور الشعب والذي يمثل امتدادا للحكم العسكري منذ انقلاب يوليو 52 ، وقد بدأ الحراك الثوري بعد الجريمة الدولية في رابعة بقتل الآلاف لفض أكبر اعتصام سلمي عرفته البلاد ، وبدأ الحراك بشكل ضخم وقوي حتى وصلت المسيرات في بعض المناطق علي مستوي الجمهورية إلي مليونيات استطاعت الجماعة فيها أن تحشد أضعاف أعدادها الحقيقية وفوق حجمها بمرات ، واستطاعت تلك الحشود بتنوعها البسيط والغير مبدع أن تشل حركة الأمن وترهق قوات النظام لأكثر من سنتين، هي فترة إعداد البلاد لاستقبال حكم قائد الانقلاب والسنة الأولي من حكمه ، ويلاحظ القريب من الشأن المصري أن الجيش في هذه الفترة لم يستطع أن يتغول.

توقف الحراك

استطاع الحراك الثوري المستمر، ورغم أنه اتخذ صورة واحدة من صور الحراك السلمي وهي المسيرات شبه اليومية في الأماكن المختلفة، أن يربك النظام ، ومثل حالة من الإزعاج العالمي والضغط الدولي لعدم الاعتراف الرسمي بنظام الانقلاب واستمر الوضع إلي أن توقف الحراك بشكل شبه تام، فوضعت الثورة نفسها ـــ إن تم تسميتها مجازا ثورة لأنها في الحقيقة لم تمثل معظم فئات الشعب ـــ في مأزق الجمود وتلقي الضربات المتوالية دون اتخاذ أي رد فعل واضح ، وفقدت أهم عامل ضغط كان من الممكن أن تفاوض به النظام علي أرواح المعتقلين في زنازين الموت ، فدفع الثوار ثمن تلك التهدئة مضاعفا ، وفقدت الثورة عاملا هاما وهو التحفظ الدولي في التعامل والاعتراف الكامل بقائد الانقلاب والتعامل الرسمي معه بصفته رئيسا للبلاد ، وكيف لا وقد سلم قادة الثورة والمسئولون عنها عامل الضغط الوحيد في أيديهم مختارين ؟.

إن توقف الحراك كان يلزمه إيجاد وسيلة أخري أكثر تأثيرا لعرقلة النظام داخليا بثوار الداخل وخارجيا بالحقوقيين والسياسيين والإعلاميين وأصحاب الرأي والذين استطاعوا الفكاك من القتل أو الاعتقال عقب الفض الدموي لميدان رابعة، علما بأنه لن يكون هناك أي تأثير ايجابي لأي حراك خارجي إلا بالضغط الداخلي.

وهكذا نجد أن الانقلاب المصري قد فرض سيطرته على الوضع تماما داخليا واكتسب اعترافا دوليا للسبب المذكور ولسبب آخر قدمه وهو التنازل عن مقدرات البلاد ببيعها أو التنازل عنها كرشاوي دولية للاعتراف به، منها على سبيل المثال شراء الأسلحة بشكل غير معتاد، والتنازل عن الجزر والأراضي المصرية، والتنازل عن حقوق الشعب في حقول الغاز للصهاينة ثم استيراده منهم بأسعار خرافية وبشكل استفزازي، كذلك رفع الدعم التدريجي عن الشعب الذي يزداد فقرا يوما بعد يوم حتى استحالت الحياة في طول البلاد وعرضها.

فالخطأ الفادح الأول الذي وقعت فيه الحالة الثورية يتمثل في تحجيم نفسها والاستسلام التام للمستبد بدعوي الابتلاء والصبر وانتظار تدخل السماء في حين أن الله عز وجل هو القائل ” إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ” .

أما الخطأ الثاني والأكثر فداحة فهو تجاهل الشعب تماما ومحاولة الاستئثار أو الانفراد بالمشهد الثوري دون تقديم شئ من التفاعل أو فتح باب للرجوع للعائدين من المعسكر الآخر لتوسيع رقعة المقاومة

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه