وحيد حامد.. “ستر المكشوف”

علاقات وحيد الأمنية تدفعنا للشك في سيناريو “صراع الأجهزة” حيث تلعب جهات ضد جهات، ربما لأن جهة أعلى تخطط للحصول على نصيبها من تبرعات مستشفى السرطان.

(1)

اعتاد وحيد حامد على “اللعب مع الكبار”، وتمكن على مدى سنوات طويلة من الظهور في رداء جرامشي.. ناقداً اجتماعياً وسياسياً مباشراً، قادراً على “كشف المستور” ومواجهة “الغول” ومطاردة “طيور الظلام”، لكن التعمق الدرامي في حياة ومواقف الكاتب المثير للجدل، يكشف عن تناقضات جوهرية يمكن رصدها بسهولة خلف هذا المظهر الهش.
لذلك عندما تابعت الحملة التي عاد إليها وحيد حامد لمهاجمة إدارة مستشفى مصري شهير يعالج السرطان، توجست في الدوافع وتساءلت عن الهدف، فالمظهر مقبول لأن حامد ركز هجومه على الإسراف في الإعلانات، وانتقد “الشبكة العائلية” التي تهيمن على إدارة المستشفى، والتي تتقاضى مرتبات ضخمة لا تتلاءم مع مفهوم العمل التطوعي، كما انتقد العلاقات الإعلامية والسياسية التي تعتمد عليها إدارة المستشفى في تحصين نفسها من النقد والمساءلة.
وبحكم معرفتي فإن مثل هذه الأمور تحدث في كل قطاعات الدولة ولا يهتم بها حامد، بل إنه يحرص على شراكة مؤسسات قمعية لا تعترف بشفافية ولا تخضع لأي محاسبة، بل إن حامد لا يعتبر ما صاح به على الملأ من الجرائم أو الأخطاء التي تستوجب المحاسبة، لأنه ببساطة يمارس بعضها بفخر، وأسس امبراطوريته بشبكة وثيقة من “التربيطات” الإعلامية والعائلية أيضاً، بدأت في أروقة ماسبيرو منذ زواجه بالإذاعية الشهيرة زينب سويدان (رحمة الله عليها) واستمرت حتى الآن، مروراً بالترويج لنفسه عبر “شلة” من الإعلاميين والفنانين، ثم الارتباط بمؤسسات أمنية ودخول شراكة لم يحرص أي من الطرفين على إخفائها، كما أن حامد لم ير عيباً في توطيد مكانة نجله مروان في الوسط السينمائي، حتى إن مشروع ميزانية تخرجه في معهد السينما كانت أكثر من 6 أضعاف تكلفة مشروعات دفعة المخرجين مكتملة، هذا من غير أجور النجوم الذين شاركوا في التمثيل مجاملة للأب، ثم تجلت “المناصرة العائلية” أكثر في الفيلم الأول (عمارة يعقوبيان) الذي أخرجه مروان في إنتاج خرافي لم يتوفر لأي مخرج مصري من قبل ولا من بعد!

(2)

وحيد حامد كاتب كبير خبير بقواعد الدراما ويمارس النقد بـ “قوة غاشمة”، ولا أظنه يغضب من مقال ينتقده ويتناول كتاباته ومواقفه بأسلوب درامي تحليلي، خاصة إنني لا أخالفه فيما ذهب إليه من نقد للمستشفى، بل أسعى لتوسيع نطاق نقده أكثر ليشمل مؤسسات أكبر وأخطر في الدولة التي يعيش حامد على أرضها من غير أن ينتقد التنازل عن جزء استراتيجي منها (تيران وصنافير).. الدولة التي ينتقد حامد شعبها من دون أن ينحاز إلى حقوقه في الحرية والكرامة والعدل، فلم اسمع للكاتب الحر احتجاجا ضد حجب آراء غيره، طالما رأيه يتمتع بالحرية والرعاية والترويج، ولم أقرأ له احتجاجا ضد إهدار أموال المصريين في مشروعات وهمية أو مطالبته بالشفافية والمراقبة لتبرعات المصريين بملايين تفوق تبرعاتهم لمستشفى السرطان، كصندوق “تحيا مصر” مثلاً!

(3)

على مائدة معروفة في ركن هاديء بأحد الفنادق المطلة على نيل القاهرة، أسس وحيد حامد ما أسماه “مجلس الشر” للقاء الاصدقاء والفنانين والإعلاميين، وفي هذا المكان استقطب عددا من محرري الفن وشباب الصحفيين الذين كبروا مع الزمن وصاروا نجوماً للإعلام ورؤساء تحرير صحف ومجلات، وخلال سنوات قليلة تحول “مجلس الشر” إلى شبكة علاقات عامة قوية في مجال الفن وفي الوسط الإعلامي، وفي التسعينات ومن خلال العلاقة بمجلة “روز اليوسف” امتدت الشبكة إلى وزارة الداخلية والتنسيق الأمني/الفني على خلفية قضية “مكافحة الإرهاب” والتي جعلت من وحيد حامد “رفعت السعيد السينمائي” كما أطلقنا عليه تندراً لخوضه المعركة بالتنسيق مع “لاظوغلي” وليس بالاحتكام إلى ضميره الفني أو الفكري أو مرجعياته الأخلاقية والإنسانية.

(4)

أوضح أن أي محاولة لقراءة الانتقادات الموجهة لوحيد حامد باعتبارها انحيازا لإدارة المستشفى الذي يقوم على التبرعات الشعبية، تظل مسؤولية صاحبها، لأنني أكتب انطلاقا من معرفتي بالكاتب السينمائي وعدم معرفتي بأشخاص من كتب عنهم، وأحدهم كان ضلعاً بارزاً في “التمكين الإعلامي” لوحيد حامد ولم تربطني به ولا بأي من الأسماء الأخرى أي صلة مباشرة أو غير مباشرة، كما أكتب انطلاقاً من الأسئلة التي ازدحم بها رأسي عن الدوافع التي حركت وحيد ليكرر ما كتبه قبل 9 سنوات، إذ طرح نفس الملاحظات تقريباً في عام 2009 ضمن أسئلة رمضانية عن مصير التبرعات مع التركيز حينذاك على “المؤسسات الدينية” واستخدام شيوخ الدين في جمع التبرعات، لكنه عاد في رمضان هذا العام بمعلومات (قال إنها موثقة) عن أرقام التبرعات وأوجه إنفاق الميزانية، وهي معلومات إن كانت صحيحة تثير الإعجاب والريبة معاً.. الإعجاب لأن كاتبا سينمائيا تجاوز السبعين تحرك بطريقة محرر استقصائي شاب وتمكن من الحصول على معلومات صعبة في دولة لا تسمح بتداول المعلومات، والريبة لأن علاقات وحيد الأمنية تدفعنا للشك في سيناريو “صراع الأجهزة” حيث تلعب جهات ضد جهات، ربما لأن جهة أعلى تخطط للحصول على نصيبها من تبرعات مستشفى السرطان، أو تسعى لإرهابها معنويا وقانونياً لتقديم تبرعات سخية لصندوق “عبده بابا”، خاصة وأن توقيت الحملة في شهر رمضان، وهو الموسم الأكبر للتبرعات السنوية. 

(5)

الذين يدافعون عن الباطل والمناصرين للفساد هم شركاء فى هذا الجرم الكبير، وهم يحملون ذنوبهم فوق رؤوسهم، تفضحهم وتكشف عن شخصياتهم الرخيصة والوضيعة.. وتحضرنى عبارة تلقائية وعفوية نطق الرئيس السيسى بها فى أحد حواراته «كله هيتحاسب» فاحترسوا…!!

هكذا يستشهد وحيد حامد في ختام أحد مقالاته بتصريح للسيسي عن “المحاسبة”، وأظن أن كاتباً يرى الفساد في إدارة مستشفى ولا يراه في إدارة دولة، هو بالتأكيد كاتب يحتاج إلى العلاج في مستشفى.

أسأل الله الشفاء للجميع

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه