هل وجدتم ما وعدكم الجنرال حقا؟!

“شدد اللواء محمود عشماوي، محافظ القليوبية، على ضرورة خروج الاحتفالات بذكرى ثورة ٣٠ يونيو في صورة مشرفة للمحافظة، حتى يتحول اليوم إلى مظاهرة شعبية في حب الوطن مقررًا رصد مبلغ 10 آلاف جنيه لكل مدينة وقرية لتأجير أجهزة “دي جي” وسيارات لإذاعة الأغاني الوطنية والاحتفالية في ذكري الثورة، والتي يمتد الاحتفال بها لمدة 3 أيام اعتبارًا من الخميس!”

عندما تقرأ هذا الخبر منشورا في الصحف القومية والخاصة والفضائيات المتنوعة؛ تعلم وتفهم جيدا مقدار الأزمة التي يعيشها الجنرالات مع ثورتهم المزعومة؛ والتى جعلت هذا السيد اللواء يشدد على الخروج للاحتفال بها كمهمة قومية، بل ومن باب فتح المزاد والإغراء بهذه الاحتفالات القسرية رصد مبلغ 10 آلاف جنيه لكل مدينة وقرية لتأجير أجهزة “دي جي” وسيارات كرنفالية، كل ذلك فقط.. كيما يؤكد سيادته -زاده الله نسورا ونجوما لامعة- أن هناك ثورة وشعبا فرحا يحتفل بها!!، وليدخل هو في منافسة محمومة مع المحافظين السادة اللواءات الآخرين للوقوف على المحافظة الأكثر رقصا هزا وطبلا وفرحا بالثورة المجيدة!

ثورة الرقص والغناء

سيادة المحافظ اللواء، أو اللواء المحافظ يأخذ هذا الأمر على صدره وبجدية تامة؛ فهو يؤكد أنه تم الحصول على موافقات أمنية لإطلاق صواريخ نارية لمدة نصف ساعة، وتعليق “بانر” ثابت على كل مؤسسة حكومية وشاشات عرض واحتفالية لعرض الإنجازات الحكومية، بالإضافة إلى فتح الحدائق مجانا للمواطنين.

عندما تحلل الأمر وتنظر مليّا في فرمان سيادته السابق؛ تتأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يتبقّ من سهرة 30 يونيو سوى الرقص والغناء الممجوج فقط لا غير.

ولكن بعد مرور 5 سنوات على تلك الثورة المجيدة كما يقولون، والتي فشلوا حتى الآن في تسويقها على أنها ثورة حقيقية، وبرغم كل تلك الدعايات الكاذبة التى استخدموا فيها جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من خلال جوقة الطبالين والمنتفعين، إلا أن النتيجة تظهر جليا الآن؛ فلو ناقشت أو سألت أي مواطن مصري عن رأيه في 30 يونيو وما حدث بعدها، ستأتيك إجابته وهو يتلفت يمينا ويسارا خائفا مذعورا، بأن الأمر لله  وهو يرفع يديه بالدعاء على من تسببوا في وصوله لتلك الحالة المزرية، وأن الوعود التي وعدهم بها الجنرال كلها كانت وعودا كاذبة أو كما يقول العامة “فنكوش” لا طائل من ورائه.

ثورة المذابح والفاشية

ويأتى السؤال الأهم بعد مرور هذه السنوات الخمس العجاف وحدوث انقلاب على الديمقراطية لكل من تم التغرير به أو خداعه.. هل وجدتم ما وعدتكم به 30 يونيو حقا؟!

ولا تحتاج سوى لقليل من المنطق وقليل من الحياد لتعلم أن 30 يونيو ومنذ بدايتها دشّنت في 3 يوليو أسوأ مرحلة من الفاشية والدكتاتورية والفشل الذي مرت وتمر به مصر في جميع الميادين؛ إذ بدأت منذ اليوم الأول بقرارات صادمة ضد الديمقراطية والشرعية تبلورت في إلغاء الدستور، وإخفاء الرئيس الشرعي في مكان غير معلوم، تلتها حملة اعتقالات لقيادات الإخوان من الصف الأول والثانى والثالث، وبعض قيادات الحركة الإسلامية والأحزاب، وبعدها بساعات قليلة تم غلق العديد من الفضائيات والصحف وحجب العديد من المواقع.

كل تلك المآسي كانت فقط في الأسبوع الأول لما تسمى ثورة مجيدة، والتي أكد القائمون عليها وعلى رأسهم جنرالها السيسي أن الجيش ليست له أي مطامع في السلطة وأنه لن يحكم أبدا؟!!، وكلنا نتذكر جملة اللواء أحمد وصفى قائد الجيش الثاني الميداني حينما قال:”لو السيسي بقي رئيس يبقى ده انقلاب عسكري، لو أي واحد فينا أخد رتبة زيادة ابقوا حاسبونا”!

وبعد أيام من تلك الثورة المجيدة كما يطلقون عليها حدثت أسوأ مجازر يمكن أن يرتكبها حاكم أو جيش ضد شعبه، بدأت بمجزرة الحرس الجمهوري والمنصة؛ لتنتهي بالفاجعة الكبرى مذبحتي رابعة والنهضة، اللتين كانتا علامة فارقة في التاريخ المصري، إذ كانت هي اللحظة التي توقف عندها الزمن، ونحن نرى القتل والقنص والحرق وتجريف الجثث على الهواء مباشرة، في مذبحة أحدثت شرخا في لحمة الشعب الوطنية، لا يعلم إلا الله متى يمكن أن تنتهي آثارها؟

الديون والتفريط في الأرض والنهر

هل وجدتم ما وعدكم جنرالكم حقا؟

لقد بلغت الديون المصرية الخارجية التي اقترضها السيسي وحده خلال ولايته ضعف ديون مصر خلال الـ 50 عامًا الماضية، إذ بلغت ديونه حوالي 83 مليار دولار حتى شهر أبريل/نيسان الماضي، وفقا للتقارير الرسمية، وقد تجاوز الدين العام المحلي والخارجي 4 تريليونات جنيه مصري!

قبلها كان قائد الثورة المجيدة قد فرط في حصة مصر التاريخية من المياه بعد توقيعه على اتفاقية المبادئ مع إثيوبيا لتصبح مصر مهددة بالعطش وبوار الأرض، وهو ما يبدو جليا ونراه حاليا متمثلا في شح المياه في أماكن كثيرة ومعاناة الفلاحين في الحصول على المياه؛ لدرجة اتجاه معظمهم الآن لسحب المياه من باطن الأرض وبعد أن كانت المياه من الممكن أن تأتى بعد توصيل مواسير 15 أو 20 مترا تحت الأرض، أصبح الحد الأدنى لكي تحصل على المياه فوق الـ 70 مترا، وهكذا كان التفريط في النهر.

لم تكتف 30 يونيو بالتفريط في النهر؛ بل إنها لأول مرة في تاريخ مصر تفرط أيضا في الأرض حيث تم التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” للمملكة العربية السعودية، الراعي الرسمي للانقلاب ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة، لذا فقد كان لابد لهما من الحصول على جزء من رد الجميل بعد كمية “الرز” الرهيبة التي تم تحويلها للجنرالات الجائعين.

هل وجدتم ما وعدتكم به تمرد وجبهة الإنقاذ حقا؟

بعد أن أخذهم معه مسافة السكة تم الاستغناء عنهم، وشاهدوا بأنفسهم كيف تم التطبيع مع الكيان الصهيونى لدرجة احتفاله بكل أريحية في فندق الـ “الريتز كارلرتون” المطل على نيل مصر، والواقع في قلب ميدان الثورة المصرية، بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل للقدس المحتلة وعيد قيام دولتهم الصهيونية، لم نرَ أي رد فعل ممن يسمون أنفسهم النخبة أو منظري التيار الناصرى الذين صدعونا رؤوسنا بشعاراتهم الجوفاء، وعند الجد لم يكونوا سوى مطايا ليّنة للجنرالات الفاشيين.

القمع والانتقام من الشعب

هل وجدتم حرية وعدالة اجتماعية؟!

لقد عادت الشرطة المصرية لكي تتغول على الشعب المسكين مثلما كانت قبل 25 يناير؛ بل إنها عادت لتنتقم من الشعب الذي قام عليها بثورته العظيمة، عادت في صورة اعتقالات للشباب والشيوخ والأطفال والنساء وقتل خارج نطاق القانون وإخفاء قسري وتعذيب ممنهج، وسجن دون محاكمات، أو تهم، لمدة وصلت إلى 5 سنوات بالنسبة للبعض، وعاد زوار الفجر مرة أخرى متمثلين في علوج الأمن الوطني الذي لم يتغير منه سوى اسمه “ومن أمن الدولة؛ للأمن الوطنى.. يا قلبى لا تحزن”!

هل ترون الحقيقة … أم أنكم مازلتم تصرون على دفن رؤوسكم في الرمال؟!، فمساحة هذا المقال حتى لو حاولنا لن تكفي لسرد الوعود الكاذبة بالرخاء والرفاهية التي لم تحدث؛ فقد أصبح المواطن ينتظر يوميا القرارات التى تصدرها تلك الثورة المجيدة للتنغيص عليه في أمور حياته من خلال رفع الدعم وزيادة الأسعار، دون أي زيادة في الدخل أو المرتبات.

أما وعد الجنرال الأهم المتمثل في القضاء على الإرهاب المحتمل الذي أضحى واقعا مرا معاشا؛ فهو وحده الذي تكْمن فيه الإجابة على وعود 30 يونيو؛ إذ أصبح الإرهاب حقيقا وليس محتملا وتوسع ليشمل سيناء كلها ووصل لبعض المحافظات في الدلتا والقاهرة، وتم على إثره تهجير وهدم المدن الحدودية في سيناء مثل رفح والشيخ زويد لصالح تنفيذ “صفقة القرن” وعد الجنرال الوحيد لصديقه ترمب الذي صدق فيه حقا.

يبقى السؤال الأهم هل لاحظتم تقدما في الاقتصاد؟ هل وجدتم زيادة في الاستثمار؟، كم مصنعا تم إغلاقه وتسريح العاملين به؟، هل لمستم تطورا في الصحة؟، كيف ترون التخريب المتعمد في التعليم؟، هل زادت حرية الصحافة والإعلام والفضائيات؟

وتبقى الإجابة المرة ناصعة السواد… للأسف إن المصريين لم يجدوا سوى الفشل والوعود الكاذبة.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه