هل مول الإخوان الصحافة الألمانية؟!

كان علي الصحفيين المصريين ان يقوموا بقراءة المشهد الإعلامي والسياسي في ألمانيا جيدا قبل توجيه الاتهام إلى الصحافة الألمانية بالأخونة.

صلاح سليمان*

 

 وجهت الصحافة الألمانية سهام نقدها على غير العادة  للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، علي خلفية استقبالها للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واعتبرت أنها لم تكن في أحسن حالاتها أثناء تلك الزيارة التي أثارت الكثير من الجدل.  فالمستشارة الألمانية تعمدت في المؤتمر الصحفي مع الرئيس المصري أن تمر مرور الكرام على ملف حقوق الإنسان المتردي في مصر، ولم تحصل من الرئيس المصري علي أية وعود بشأن إصلاح هذا الملف، فضلا عن أنها منحته فرصة كبيرة من فوق أهم منبر أوروبي لتبرير أحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم المصرية بشأن المئات من المعارضين.

 تنازلات ألمانية

أجمعت معظم عناوين الصحافة الألمانية أثناء الزيارة وبعدها على أن المستشارة قدمت تنازلات ألمانية  تتعلق بمبادئ حقوق الإنسان أمام صفقات تجارية،  لكن جوهر الكثير من المقالات التي كتبها محللون سياسيون ألمان رأت أنه رغم التعاون الاقتصادي بين الجانبين، إلا أن الخلاف السياسي مازال كبيراً حول ما يجري في مصر في ظل غياب برلمان منتخب من الشعب .

 ميركل التي تواجه مشاكل داخلية لم تكن راغبة في الدخول كطرف في أي نزاع سياسي داخلي في مصر،  فهي تواجه على الصعيد الداخلي تراجعا كبيرا في شعبيتها أمام سيل الانتقادات الصحفية الحادة والضغط الشعبي بشأن ملف فضيحة التعاون المخابراتي الألماني الأمريكي، الذي يعتقد أن ألمانيا تجسست فيها على شخصيات  ومؤسسات أوروبية مهمة لحساب المخابرات الأمريكية.

 قبل زيارة السيسي كانت ألمانيا مشغولة بهذه القضية، وكان موقفها يبدو في أضعف حالاته,  خاصة أنها اعترفت بهذا التعاون وصرحت بأنه ضرورة في الوقت الراهن،  مما فجر موجة من الاحتجاجات والانتقادات ضدها،  ومن المنتظر أن تمثل في وقت لاحق كشاهدة أمام لجنة التحقيق البرلماني التي تشكلت للتحقيق معها في هذا الأمر.

 الصحافة الألمانية لم تبرر لها، أو تتعاطف معها، بل وجهت لها اتهامات صريحة بالكذب ومخالفة القوانين الألمانية.

لم ترحم ميركل

وهذا مثال بسيط للصحفيين المصريين الذين شككوا في مصداقية الصحافة الألمانية لأنها هاجمت رئيس بلادهم،  فالصحافة الألمانية أصلاً لم ترحم ميركل وواجهتها بما قالته العام الماضي عندما نفت علمها بشأن التسريبات التي أفادت بأن هناك نشاطا أمريكيا تجسسيا على شركات صناعية في ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، لكنها عادت واعترفت بعد انكشاف الفضيحة الجديدة بأنها كانت على علم باهتمام وكالة الأمن القومي الأمريكي بالتجسس على مؤسسات دفاع أوروبية منذ عام 2008 .

 رغم ما تواجهه ميركل من صحافة بلادها إلا أن اعلاميين مصريين أصروا علي تفسير سر هجوم تلك الصحافة على الرئيس المصري أثناء زيارته إلى ألمانيا بأنها ممولة إخوانيا، وقال احدهم : إن الإخوان استطاعوا أن يؤثروا علي هذه الصحافة،  في حين أن الواقع يسير عكس ذلك تماما، فالصحافة الألمانية تتخذ موقفا مضاداً للحركات الإسلامية منذ أحداث 11 سبتمبر،  بل إنها أحيانا تسئ إلى المسلمين بالخلط  بين منهج  الجماعات الإسلامية المتطرفة ومنهج الإسلام المعتدل .

 الإعلاميون المصريون الذين انتقدوا الصحافة الألمانية لا يعرفون أن الصوت الإسلامي غائب تماما في الإعلام الألماني، بل أن هناك أزمة ثقة في الشارع الألماني بين الألمان والمسلمين علي خلفية ما تقوم به داعش في العراق وسوريا، وما تقوم به جماعة بوكوحرام في نيجيريا باسم الإسلام، كذلك فإن انتماء بعض من يحملون الجنسية الألمانية إلى جماعة الدولة الإسلامية فجر موجة استياء كبيرة في الشارع الألماني تمخض عنها فيما بعد حركة “بيجيدا” المعادية للإسلام والمسلمين في ألمانيا.

 رغم أن المسلمين يعيشون في مظلة وحماية القانون والدستور الألماني الذي يحمي حرية ممارسة المعتقد وإقامة دور العبادة الخاصة بأصحاب المعتقدات الدينية،  إلا أن احد أعضاء المجلس الإسلامي في ألمانيا كان قد صرح بأن هناك سياسيين ألمان يعملون بشكل خفي للضغط علي أعضاء المجلس الإسلامي في ألمانيا من اجل المشاركة في تشكيل مجالس المراكز الإسلامية واختيار أئمه مساجد متخرجين من معاهد يشرف عليها الجانب الألماني مثل معهد معهد ايرلنجن لتخريج الدعاة الذي أنفقت عليه الحكومة الألمانية اكثر من مليون ونصف يورو .

الجهل بألمانيا

 إذن كان علي الصحفيين المصريين ان يقوموا بقراءة المشهد الإعلامي والسياسي في ألمانيا جيدا قبل توجيه الاتهام إلى الصحافة الألمانية بالأخونة،  وكان عليهم أيضا أن يفهموا النظام الديمقراطي الذي تم بناؤه في هذا البلد، فمهاجمتهم للطالبة المصرية والمتدربة الصحفية فجر العادلي في المؤتمر الصحفي واتهامهم لها بالخيانة، ليس جرما يعاقب عليه القانون في ألمانيا إنما يندرج في إطار حرية الرأي،  لذلك اعلن مكتب المستشارية أنه ليس بصدد اتخاذ أي إجراءات ضد الصحفية وسيتم دعوتها لمؤتمرات صحفية إذا أرادت ذلك في المستقبل

 

الطبيعي هنا في ألمانيا أن السياسي يتعرض طوال الوقت للنقد والقذف بالطماطم والبيض والمظاهرات المضادة لسياساته.

  أتذكر أنني شاهدت قبل عدة سنوات  كلاوس كينكل وزير الخارجية الألمانية الأسبق ذات يوم وهو يخطب في مؤتمر انتخابي في احدى ساحات ميونيخ ،  وكان عدد الموجودين لا يتعدى العشرين شخصا وعندما سألت احد الأشخاص  الذين بدا عليه انه يستمع باستهجان للوزير.. لماذا في رأيك هذا الحشد القليل العدد؟

 فأجاب قائلا : إنهم سياسيون كاذبون

_____________________

*صحفي مصري مقيم في ألمانيا

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه