هل لحق مصطفى النجار بخاشقجي؟

 

 

يبدو أن الشهيد جمال خاشقجي لن يكون آخر الآحزان، أو آخر ضحايا الاختفاء القسري الذي ينتهي بالقتل غيلة، فالأنباء تتواتر حاليا عن حالة مشابهة يمكن أن تلحق خاشقجي وهي للطبيب والسياسي والبرلماني المصري مصطفى النجار، رئيس حزب العدل وعضو برلمان الثورة، والذي اختفى منذ يوم 28 سبتمبرالماضي عقب وصوله إلى أسوان قادما من الإسكندرية، قبيل تثبيت محكمة النقض لحكم قضائي بحبسه 3 سنوات في تهمة إهانة القضاء التي جمعت طيفا واسعا من رموز المعارضة المصرية وحتى الموالين للسلطة.  

خلف الاسوار

قبيل صدور الحكم ببضعة أيام تناثرت أنباء عن اعتقال الأمن لمصطفى، أو ربما تسليم نفسه طواعية حتى يتمكن من حضور جلسة النقض التي تشترط حضور المتهم بشكل مباشر، ويوم الجلسة فوجئ الجميع بغياب مصطفى عنها، فبدأت التكهنات حول مصيره، وما زاد المخاوف ذلك المنشور الذي كان قد نشره هو على صفحته (الفيس بوك) يوم 13 أكتوبر أي قبل حكم النقض بيومين فقط ، وهو منشور مبرمج للنشر في توقيت لاحق على كتابته وفقا لخاصية يوفرها الفيسبوك، إذ قال في منشوره (عزيزي القارئ إذا كان باستطاعتك قراءة هذا المقال الآن فهذا يعنى أن كاتبه قد صار خلف الأسوار في أسر السجان).

غياب مصطفى عن جلسة المحكمة طرح بشكل عال مخاوف حول مصيره، خاصة أن زوجته صرحت لاحقا أنها تلقت اتصالا هاتفيا من رقم تليفون أرضي يوم 10 أكتوبر من شخص مجهول يخبرها بأن زوجها تم القبض عليه في أسوان، ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلة البحث عنه في مستشفيات وأقسام شرطة أسوان، كما قام محامون آخرون نيابة عن الأسرة بتقديم بلاغ في نيابة أسوان حول إختفاء مصطفى يوم 31 أكتوبر.

بيان الاستعلامات

مع توالي النشر على صفحات التواصل عن اختفاء مصطفى دفعت السلطات المصرية الهيئة العامة للأستعلامات لإصدار بيانين يومي 18 و29 أكتوبر تنكر فيهما القبض على مصطفى، أو حيازتها لأي معلومات عن مكانه أو حالته، كما خرج مساعد وزير الداخلية لمصلحة السجون اللواء زكريا الغمري ببيان ينفي فيه وجود مصطفى في أي سجن..

لم تكن تلك البيانات المتتالية من هيئة الإستعلامات والداخلية المصرية مقنعة لأحد حيث أن السجل الإجرامي للسلطة الحالية، ولأذرعها لا يمنحها أي مصداقية فيما تقول فكم من مرة ادعت من قبل عدم علمها باعتقال أو احتجاز أحد، وعدم وجوده في أي من سجونها أو أقسامها ثم يظهر لاحقا في النيابة، أو يظهر جثة بدعوى حدوث اشتباك معه تسبب في قتله، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، بل إن هذا النفي المتكرر من الجهات الرسمية زاد الهواجس بشأن وضع مصطفى الحالي حيث ارتفعت التكهنات بمقتله، وإخفاء جثته.

اختفاء ريجيني

لن نذهب إلى تواريخ قديمة نسبيا مثل اختفاء الوزير الليبي السابق منصور الكيخيا في القاهرة منذ 1993، أو اختفاء الصحفي رضا هلال منذ العام 2013 وحتى الآن، بل نتحدث عن حالات لا تزال ساخنة ومنها قصة جوليو ريجيني الذي نفت السلطات المصرية اعتقاله أو معرفتها بمكان اختفائه منذ يوم 25 يناير 2016 حتى ظهر يوم 4 فبراير التالي جثة مليئة بأثار التعذيب ملقاة على الأرض على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي   ولمحاولة إغلاق الملف و”لملمة” القضية قتلت الشرطة 5 مواطنين ادعت أنهم عذبوا ريجيني وقتلوه، ثم اتضح لاحقا كذب هذه الرواية، وأن ريجيني كان محتجزا في مكان أمني، تعرض فيه للتعذيب حتى الموت، كما لا نزال نتذكر قصة الشابة زبيدة التي اختفت لمدة شهر عام 2016 بعد ريجيني مباشرة، ثم وجدت ملقاة على طريق عام أيضا، بعد تعرضها للتعذيب والاغتصاب، ثم تم اختطافها مجددا عام 2017حتى تحدثت والدتها على قناة بي بي سي عنها فأظهرتها وزارة الداخلية في حوار واضح الافتعال مع المذيع عمرو أديب لتنفي فيه تعرضها لأي مكروه، وليتم بعدها القبض على والدتها حتى الآن.

ليست هذه الحالات هي الوحيدة للإختفاء القسري الذي يظهر بعض ضحايه جثثا ملقاة في الشوارع لاحقا، أو تدعي الشرطة قتلهم في مواجهات (رغم وجودهم بحوزتها) وحسب التقارير الحقوقية فقد مر بتجربة الاختفاء القسري في مصر 6421 حالة على مدى السنوات الخمس الماضية، لا يزال منهم 200 حالة مختفية حاليا بينهم 8 سيدات تم القبض عليهن مطلع نوفمبر الحالي، ولا يعلم ذووهم مكان احتجازهم حتى هذه اللحظة بينهم الحقوقية هدى عبد المنعم، والناشطة عائشة خيرت الشاطر.

مخاوف مشروعة

قصة مصطفى النجار ليست منفصلة إذن عن بيئتها المحلية (حيث تتسع حالات الإختفاء والقتل للمختفين) وليست منفصلة عن بيئتها الإقليمية التي لا تزال تغطي سماءها جريمة إخفاء وقتل جمال خاشقجي والذي سبقه آخرون على يد النظام السعودي نفسه، وبالتالي فإن المخاوف بشأن مصير مصطفى النجار مشروعة، ولا ينقص منها شيئا أن تحدث المفاجأة بظهوره سواء في قبضة الأمن أو في أحد مقار النيابة، ومع ذلك تظل الاحتمالات الكبرى حتى الآن هي مقتله على يد حرس الحدود أو في أحد مقار الاحتجاز في أسوان، الذي ذكر أحد المتصلين المجهولين بزوجته أنه محتجز فيها.

سيحاجج البعض بأن الأجهزة الأمنية لم تكن بحاجة لإخفاء جثة مصطفى لو أنها قتلته على الحدود، بدعوى أنها تنفذ القانون، وأنه مات أثناء محاولة منعه من الهرب، وهذا صحيح وربما كانت تستعد وتهيء المسرح لذلك، أو ربما كان لا يزال تحت العلاج من إصابات خطيرة ثم فارق الحياة لاحقا، وربما تسببت جريمة مقتل جمال خاشقجي التي تزامنت مع اختفائه في “لخبطة الأوراق” للأجهزة الأمنية التي قدرت أن إعلانها عن قتل مصطفى سيضعها في قلب العاصفة العالمية، وبالتالي آثرت أن تصر على روايتها بعدم معرفة شيء عنه..

على أي حال تبقى هذه مجرد تكهنات، واستنتاجات مشروعة في ظل حالة التعتيم التي تفرضه السلطة، والتي من واجبها – قبل غيرها وبدون أن يدعوها أحد- التحرك، وإجلاء حقيقة وضع مصطفى حيا أو ميتا فهذه مسئوليتها القانونية والسياسية والأخلاقية.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه