هل تنجح محاولات جر الخرطوم إلى الحلف السعودي؟

الرئيس السوداني عمر البشير

خروج الفريق طه من القصر، يفهم منه قطع خطوط التأثير على القصر الرئاسي في الخرطوم، وهى ضربة موجعة بلا شك لدول الحصار، سيما وأن طه كان يضغط بشدة لإرغام البشير على قطع علاقته مع قطر

منذ اندلاع الأزمة في الخليج العربي وإعلان السعودية والإمارات ومصر والبحرين قطع علاقاتهم مع دولة قطر، دخل السودان في امتحان سياسي لم يتحسب له بالقدر الكافي، سيما وأن علاقاته جيدة بكل الأطراف، ولذلك اختار النأي بنفسه عن الانحياز، ودعم المبادرة الكويتية لإصلاح ذات البين، والعبور فوق مأزق “حمالة الحطب” لكن موقفه الذي اتسم بقدر من الحياد، بدأ بخلاف كونه يساوي بين الضحية والجلاد، هروباً من دفع استحقاق علاقته الاستراتيجية مع قطر، وأياديها التي ظلت مبذولة -على الدوام- للشعب السوداني، فضلا عن أن الوقوف مع قطر الأن هو وقوف مع الحق ورد الكيد والحصار الظالم .

الموقف الوسطي

لسوء حظ السودان أن الأزمة الخليجية حدثت في وقت تطورت فيه علاقته بصورة إيجابية مع السعودية والإمارات، لدرجة المشاركة في عاصفة الحزم، وارسال وحدات من الجيش السوداني للقتال ضمن صفوف التحالف العربي، وقطع العلاقة مع طهران، مع جهود حثيثة يقودها الملك سلمان بنفسه لرفع العقوبات الأمريكية عن السودان، من المؤمل أن تؤتي أكلها في منتصف يوليو/ تموز المقبل. 

لأجل هذه المصالح المتنامية اختار السودان موقفاً وسطيا داعما لمبادرة أمير الكويت، عكس موقفه في بداية التسعينيات من حرب الخليج، ومساندته للرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه ضد الكويت وقتذاك، ما سبب للسودان خسارات فادحة، وقطيعة شبه دبلوماسية واقتصادية مع دول  الخليج بالكاد تعافى من أثارها. ولذا لم يرد أن يتورط في أزمة مشابهة، وفضل الجلوس في منطقة رمادية، عسى ولعل أن تجنبه تبعات التصنيف وغضبة حلفاء المرحلة .

بلا مواربة يمكننا القول إن الظروف كلها لم تكن في صالح الخرطوم، حيث حدثت تطورات درامية هائلة ألقت بظلالها على المشهد السياسي والأمني وتم – على نحوٍ مفاجئ- إقالة مدير مكتب الرئيس البشير ومبعوثه المؤتمن الفريق طه عثمان الحسين، والذي تربطه صداقة قوية بالسعودية والإمارات، وتحديداً بولي ولي العهد محمد بن سلمان، ويعتبر الفريق طه رجل السعودية المدلل في السودان وصاحب المهام المزدوجة، لدرجة منحه الجنسية، وفتح القصور الملكية له، وترتيب لقاء عابر له مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توج بالتقاط بعض الصور لهما أثناء مشاركته ترامب في القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض، ذات القمة التي حُرم الرئيس البشير من المشاركة فيها في اللحظات الأخيرة وقد ابتلعها على مضض، ما سبب للمملكة حرجاً كبيراً مع حليف يصعب الاستغناء عن خدماته. وبالتالي فإن خروج الفريق طه من القصر في هذا التوقيت ومن دون إعلان سبب إقالته، يفهم منه قطع خطوط التأثير على القصر الرئاسي في الخرطوم، وهى ضربة موجعة بلا شك لدول الحصار، سيما وأن طه كان يضغط بشدة لإرغام البشير على قطع علاقته مع قطر من الوهلة الأولى، وتم توظيفه لترجيح كفة التحالف المنحسر أثره، إلا أن المحاولة منيت بخيبة أمل كبيرة.

المزاج العام

هنا كان لا بد من البحث عن خيارات بديلة للضغط على الخرطوم لتبيان موقفها النهائي، وطلب سفراء الدول الثلاثة السعودية والإمارات ومصر لقاء وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، وكان الغرض الأساسي من اللقاء هو جر الخرطوم بعيدا عن قطر، خاصة وأن المزاج العام متعاطف مع الدوحة، والأحزاب ذات الثقل الإسلامي، وهيئة علماء السودان، وعدد ليس قليل من نواب البرلمان والصحفيين يقفون في صف الدوحة، بل إن ضغوطا إعلامية وشعبية جاهرت بضرورة دعم قطر وسحب الجيش السوداني من اليمن الذي يقاتل دفاعا عن السعودية، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومة السودانية نفسها يمكن أن يأتي عليها الدور ، لأنها تسند ظهرها على مرجعية اسلامية، وتتعاطف مع حماس، وترفض تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة ارهابية، وبالتالي فإن رهانها على الإمارات والسعودية هو رهان على المعسكر الخاطي، وهى بذلك كمن يوجه سلاحه إلى صدره.

شبهة التواطؤ ضد قطر

لم يكن أمام البشير من خيار سوى زيارة السعودية ومحاولة طمأنة الملك سلمان إلى أن السودان لا يريد معاداة طرف ويسعى لحل الأزمة، وأن اقالة مدير مكتبه المحسوب على دول المقاطعة خطوة لا علاقة لها بإرسال رسالة سلبية للرياض، ويمكن ردم الهوة التي تركتها تلك الإقالة، وقطع الطريق أمام الشائعات التي أثيرت بأن المخابرات التركية سربت للخرطوم معلومات عن إفشاء طه لأسرار ومكالمات هاتفية تخص الرئاسة السودانية، وشبهة التواطؤ ضد قطر من دون علم الرئيس البشير، ومن المرجح أيضاً أن تتطرق القمة الرئاسية بين سلمان والبشير لما تردد بخصوص سحب الجيش السوداني من اليمن، وتبديد مخاوفه وطمأنة الملك بأن خطوة كهذه مستبعدة حالياً، خصوصاً وأنه “الكارت” الذي تحتفظ به الخرطوم لحفظ توازنها في حلبة الصراع الخليجي، وتستطيع أن تناور به، تحديداً وأن قلبها مع الدوحة وسيفها مع الرياض .

محنة النظام السوداني تتمثل في الضغط المتواصل عليه لتغير موقفه المعلن، وجره بعيداً عن ثوابته ومرجعيته الإخوانية، عطفاً على أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أروغان سوف يزور الخرطوم في مقبل الأيام في محاولة لتذكير الخرطوم بشعاراتها ومواقفها المشهودة، وبالتالي مهما حاول الرئيس البشير أن يتنكر للدوحة وأنها بذلت له ما وسعها في سلام دافور ودعم الاقتصاد السوداني وتسليط الضوء على حضارة بلاده، فإنه لن يفلح، وستبقى الحقيقة أن السودان أقرب عهداً ومزاجاً سياسياً لتركيا وقطر وتونس وبقية الشعوب الحرة، كما أن محاولات خلع المعطف الذي اشتهر بارتدائه الرئيس البشير سوف تفقده قاعدته الجماهيرية، ومشروعيته التي ظل يستمدها من المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية طوال العقود المُنصرمة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه