هل أنهت الثورات المضادة الصحوة الإسلامية؟

على غرار نظرية فرانسيس فوكوياما “نهاية التاريخ” يتبنى منظرو الثورات المضادة نظرية نهاية الصحوة الإسلامية بعد انهيار او تقهقر موجات الربيع العربي التي كان الإسلاميون في صدارة مشاهدها الثورية والسياسية، سواء في تونس أو مصر، أو سوريا أو اليمن، أو حتى في البلدان التي تأثرت جزئيا بالربيع العربي مثل الجزائر والمغرب والأردن، وموريتانيا إلخ.

في نظريته نهاية التاريخ أكد فوكوياما أن انتصار الرأسمالية الغربية على الاشتراكية التي كان يمثلها الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية عموما ليس فقط نهاية للحرب الباردة، وإنما نهاية للتاريخ، مع انتصار وانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية الغربية، واقتصاد السوق، التي لا يمكن لغيرها من الأفكار منافستها (وكان يقصد النمط الأمريكي تحديدا)

خطأ النظرية

كان انتشار وتمدد ظاهرة الصحوة الإسلامية، وانفجار موجة الربيع العربي أحد دلائل خطأ نظرية فوكوياما، إذ مثلت هذه الصحوة الإسلامية ومن بعدها الربيع العربي تحديا قويا للقيم الرأسمالية والعلمانية الغربية التي حاولت فرض وصايتها على العالمين العربي والإسلامي عبر أسلحة متعددة ثقافية وإعلامية واقتصادية وحتى عسكرية، لكنها لم تتمكن من تحقيق غايتها مع شعور العرب والمسلمين بذاتهم وقيمهم المستقلة، والمنبثقة من دينهم وعقيدتهم وحضارتهم، ورغم أن الكثير من الحركات والقوى والأحزاب الإسلامية وصلت إلى السلطة او شاركت فيها قبل موجة الربيع كما هو الحال في الأردن، واليمن، والسودان، والجزائر، وغزة، وتركيا، وماليزيا، فإن الثورات العربية مكنت لفروع جديدة من القوى الإسلامية من الوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه بقوة كما حدث في مصر التي وصل الإخوان المسلمون فيها إلى سدة الحكم، وفي تونس التي تقاسمت فيها حركة النهضة الحكم، وفي المغرب التي وصل فيها حزب العدالة والتنمية إلى تشكيل ورئاسة الحكومة، وأخيرا فوز التحالف الوطني الإسلامي بغالبية المقاعد النيابية في ماليزيا وتشكيل حكومة برئاسة مهاتير محمد مع حلفائه الإسلاميين.

حدود العالم

يتحدث بعض منظري الثورة المضادة في مصر عن نهاية الحلم الإسلامي أو الصحوة الإسلامية انطلاقا من التجربة المصرية، وكأنهم يرون أن حدود العالم هي مصر فقط، ولا ينتبهون إلى أنهم محاطون من الشرق والغرب والجنوب بحكومات ذات خلفية إسلامية ( بغض النظر عن تقييم البعض لذلك) ففي الشرق حيث غزة وحركة حماس الحاكمة، وفي الغرب حيث  ثوار ليبيا وغالبيتهم إسلاميون وحيث يرأس أحد قيادات الإخوان المسلمين المجلس الأعلى للدولة، وفي الجنوب حيث حكومة الرئيس عمر البشير، كما يتناسون أن القوى الإسلامية وإن تلقت بعض الضربات وشهدت بعض التراجعات في بعض الأماكن مثل مصر او السعودية والإمارات، إلا أنها حققت مكاسب في أماكن أخرى أكثر حيوية مثل تركيا وماليزيا واندونيسيا، والمغرب والأردن ( رغم ملاحقة السلطة لجماعة الإخوان في الأردن فإنها تصدرت الفائزين في آخر انتخابات برلمانية).

تكمن قوة الصحوة الإسلامية في تجذرها، فهي نبت طبيعي في المنطقة العربية والإسلامية على خلاف المدارس الفكرية الأخرى الوافدة من خارج تاريخ وجغرافيا المنطقة، ولذلك فهي ممتدة عبر الزمان، لكنها مرت بمراحل مد وجزر، وهي لم تعد مرتبطة بتنظيم أو حركة إسلامية بعينها بل هي تيار عام سرى في الأمة، وتصاعد لاسباب موضوعية منها تزايد المظالم التي تعرضت لها الدول والشعوب الإسلامية  سواء على ايدي الإستعمار أو وكلائه من الحكام الديكتاتورين، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مع تخاذل حكام العرب والمسلمين عن مواجهته، وشيوع الظلم الاجتماعي وغياب التنمية مع استشراء الفساد وهدر الموارد، وكل هذه الأسباب الموضوعية لا تزال قائمة، بل إن بعضها تعمق في وعي الشعوب التي نعمت بالحرية لبعض الوقت عقب موجات الربيع ثم تعرضت هذه الحريات للإنقلاب عليها كما هو الحال في مصر، واستمرار الحصار للثورات في ليبيا وسوريا واليمن إلخ.

الانتكاسات التي تعرضت لها الحركات الإسلامية وخاصة في مصر لم تكن نتيجة موقف شعبي رافض لها، إذ إن الشعب في غالبيته هو من حملها إلى صدارة المشهد السياسي بعد ثورة يناير، وبعد أن ظلت محاصرة أمنيا في أضيق نطاق خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقد منح الشعب ثقته للإسلاميين في 5 استحقاقات إنتخابية بدءا باستفتاء 19 من مارس/آذار 2011 مرورا بانتخابات مجلسي الشعب والشورى ثم الرئاسة وأخيرا الإستفتاء على دستور 2012، أما السبب في الانتكاسة فهو استخدام القوة المسلحة لإزاحة الحكم المدني المنتخب، وهي انتكاسة لا تخص الإسلاميين وحدهم بل هي انتكاسة لثورة يناير ورجالها والمؤمنين بها، وللتيار الديمقراطي عموما، كما أن هذه الإزاحة العسكرية(الإنقلاب) لا يصلح دليلا على انهيار التيار الإسلامي، فقد اعتقل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر الآلاف من الإخوان في الخمسينيات والستينيات، وبقوا في السجون لعقدين من الزمان، لكنهم عادوا مجددا بعد وفاة عبد الناصر،حتى وصلوا إلى سدة الحكم قبل ان يتعرضوا لانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013.

الحلف الصهيوني

لقد تشكل حلف صهيوني عربي غير مقدس لمواجهة هذه الصحوة العربية مثل العقل فيه الكيان الصهيوني، ومثل الذراع الباطشة نظام السيسي، ومثلت السعودية والإمارات مصادر التمويل حيث أنفقتا مليارات الدولارات لهذه المهمة التي أسستا من أجلها غرفة عمليات للثورات المضادة، كما أسستا مراكز كبرى سواء في المنظقة أو في أوربا أو الولايات المتحدة، وتعاقدتا مع شركات علاقات عامة دولية لمهمة تشويه صورة الثورات العربية والحركات الإسلامية، وقامتا باعتقال كل رموز الصحوة الإسلامية في السعودية والإمارات، ناهيك عن المجازر والمعتقلات في مصر، ورغم الإقرار بتضرر شعبية الجماعة وغيرها من القوى الإسلامية فإنها لم تمت كما يتصور البعض، وسيظهر أي احتكام مجددا لصندوق الانتخابات وجود الإسلاميين في المقدمة حتى ولو من دون الحصول على أغلبية، في غياب أية قوى سياسية أخرى منظمة وقادرة على المنافسة الحقيقية، ولعل النتائج الأخيرة للانتخابات الحرة في ماليزيا وفي الأردن كانت دليلا على ذلك.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه