نقابة الصحفيين حال الأمة المصرية

 محمد منير*


تعتبر نقابة الصحفيين انعكاس واضح المعالم للوضع السياسى فى مصر، وذلك لأسباب تاريخية تتعلق بطبيعة نشأة النقابة وظروف اعلانها وبتاريخ  الصحافة فى مصر والذى فرضت عليها الظروف السياسية أن تكون المعبر الرئيسى عن حال الأمة المصرية وضميرها  .
والصحفيون المصريون ظلوا حتى سنوات قريبة يجتمعون تحت مظلة حماية نقابية واحدة تمتد الى كل افرادها بالتساو وبغض النظر عن تباين أراءهم وانتمائاتهم السياسية والتى كانت تنعكس على كتباتهم الصحفية بكل فنونها .
وطوال الوقت كانت الصحافة وابنائها يمثلون هما ثقيلا  للقائمين على الحكم لانحياز المهنة الى الهموم الشعبية والتعبير عنها، وهو ما كان دائما يضع الحكومات فى حرج وخاصة وانه ندرت لحطات الاتفاق بين الحكومات المصرية المتعاقبة وشعبها.
وطوال السنوات الماضية شهدت العلاقة بين الصحفيين والحكومات المتعاقبة معارك مختلفة الأدوات تحاول قيها الحكومات الحد من التزام الصحفيين بالتعبير عن مشكلات الشعب سواء بالترهيب بالفصل والتشريد والحبس أو بالترغيب والتدجين بالمغريات المالية والامتيازات، وهو مانجحت فيه بشكل نسبى وخاصة خلال فترة حكم مبارك الذى نجح نظامه فى اختراق نقابة الصحفيين بعناصر تابعة له  او ضم بعض العناصر الصحفية التى اغرتها امتيازات السلطة واموالها، وتحول الصراع بين النقابة والحكومات الى صراع داخلى بين فريقين الأول يمثل  القابضين على المبادئ المهنية فى التعبير عن هموم الناس و الثانى يمثل الساعيين الى الثراء والامتيازات والتعبير عن مصالح النظام ورجال الأعمال والمال والسلطة .
 والحقيقة الجديرة بالذكر أن جهود استقطاب الصحفيين بدأت بوضوح في فترة حكم انور السادات والذى أغرى الصحفيين ببراعة بفرض تعريف جديد لهم ” السلطة الرابعة ” بدلا من التعريف الأصلى ” ضمير الأمة ”  محاولاً بذلك  تغيير مسارهم من التعبير عن جبهة الشعب الى الانضمام الى جبهة السلطة. 
وبعد ثورة 25 يناير 2011 والتى لم تكتمل مهامها تنحت بعض الرموز البارزة من رجال السلطة داخل النقابة عن المشهد ، إلا انه هذا العام ظهرت بقوة مرة أخرى تحمل نفس الراية التى كانت تحملها قبل 2011 والتى تعلن أهمية فصل نقابة الصحفيين عن السياسة وتطهير النقابة من اصحاب الأراء السياسية، وكأن النقابة جمعية تعاونية استهلاكية كل دورها توزيع السلع على المواطنين !!
ولنرجع بالتاريخ  سنوات غير قليلة وتحديداً عام 1941 والمشهد قاعة مجلس الشيوخ المصرى فى إحدى جلساته التى كانت تشهد جدلأ حول مشروع قانون نقابة الصحفيين اعترض خلاله النائب يوسف أحمد الجندى (المعروف تاريخياً برئيس جمهورية زفتى)  على نص كانت لا تخلو منه قوانين النقابات المهنية آنذاك  بحظر الاشتغال بالسياسة وقال: «كيف يحظر على نقابة الصحفيين الاشتغال بالسياسة ؟؟ !! فتنظيم مهنة الصحافة وتكوين نقابة يستلزم الاشتغال بالسياسة ..فإذا سنت الحكومة قانونا من شأنه الحد من حرية الصحف مما يستدعى أن تناقشه هيئة النقابة تم منعها بحجة اشتغالها بالأعمال السياسية، مع أن طبيعة تنظيم المهنة تقتضى من النقابة الكلام فى السياسة، كما أن العمل على رفع شأن الصحافة وإعلاء كلمتها يستدعى حتما تعرض النقابة للشئون السياسية». وامتد الجدل، وفى النهاية انتصر منطق وحجة يوسف الجندى وكانت نقابة الصحفيين هى أول نقابة لا يحظر قانونها الاشتغال بالسياسة.
والحقيقة التى يجب توضحيها أن هناك خلط متعمد بين مفهوم العمل السياسى داخل النقابة والعمل الحزبى ، فالمنطق وطبيعة المهنة وطبيعة الدور الذى يقوم به الصحفى فى المجتمع يستلزم الاهتمام والانخراط فى الشأن السياسى ، ولكن دون خلط الاوراق والتداخل مع العمل الحزبى فنقابة الصحفيين ليست فرعا لحزب أو ساحة للتعبير عن أى حزب وانما مظلة تختص بحماية ابناء المهنة بكل انتمائاتهم .
ومما هو جدير بالذكر ان الحكومات ورجال الأعمال وخاصة الفاسدين منهم حاولوا طوال الوقت تقويض حرية الصحافة بحجة حماية الحياة الخاصة وفصل العمل الصحفى عن السياسة وهم انفسهم الذين سهلوا غزو الانتماء الحزبي للنقابة، عندما بدأوا في دعم المنتمين لحزب السلطة داخل النقابة وتمكينهم بسلطة المال وسلطة الحكم من السيطرة عليها .. ومازال الصراع مستمرا

______________________

*كاتب وصحفي مصري

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه