نظام خلع برقع الحياء

تستطيع أن تقول بثقة عبارة “ما أشبه اليوم بالبارحة” فيما يخص النوايا والتوجهات مابين الأهداف السامية والأهداف المنحطة، فمنذ بدء الخليقة والصراع قائم بين الصالح والطالح بمستويات مختلفة.

ولكن لا يمكنك قول العبارة فيما يخص القواعد والقيم التى طالما حكمت الصراع بين المختلفين، وخاصة فى مصر التى لايوجد فيها أى تشابه بين واقعها وماضيها الأخلاقى والقيمى، خاصة فى السياسة والإعلام اللذين عرفا سلاح الفُجر الغشيم فى الخصومة إلى حد انتقال الهجوم على أصحاب القيم والحط من شأنهم إلى النيل من القيم ذاتها، واعتبار أن الشرف والكرامة والأخلاق نقيصة.

أتذكر رئيس حزب سياسى كان يتتبع الفاسدين ليس بغرض مقاومتهم، وإنما بغرض ترقيتهم إلى مناصب مفصلية تضمن له الهيمنة

الصراع بين الفساد والشرف أبرز أنواع الصراع بين الصالح والطالح وظل الشرف بَيِّنٌ والفساد بَيِّنٌ، ولا يوجد بينهما أى متشابهات والصراع بينهما شهد عدة مستويات لاستخدام مفرداتهما حسب الاحتياج، وفى هذا السياق أتذكر رئيس حزب سياسى كان يتتبع الفاسدين ليس بغرض مقاومتهم، وإنما بغرض ترقيتهم إلى مناصب مفصلية تضمن له الهيمنة عن طريق استغلال ما يملكه عليهم من مستندات وأدلة على فاسدهم فيضمن ولاءهم الدائم.. وأيضا استخدم الرئيس المغدور أنور السادات هذا الأسلوب مع بعض المسئولين عندما استدعى أحد المسئولين بعد كشف فساده المالى، وذهب الرجل للمقابلة وهو منهار، وما إن بدأ اعترافاته واعتذاراته أمام السادات حتى هون عليه الرئيس وأخبره بأن هذا الموضوع تافه، وأنه يريده فى عمل وطنى لحماية الوطن، وأصبح اللص جنديا وفيا مخلصا وأداة طيعة فى يد السادات.

فى بداية القرن الماضى كان السياسى والمفكر المصرى أحمد لطفى السيد يخوض انتخابات مجلس النواب عن مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، وكان لطفى السيد يتبنى الدعوى للديمقراطية، وكانت مصطلحا جديدا نسبيا على الشعب المصرى آنذاك، وخاصة فى القرى والنجوع فى ظل عدم وجود وسائل اتصال ولا إعلام آنذاك، أدرك المنافسون لأحمد لطفى السيد قوته وتيقنوا من فوزه فى دائرته لحب الناس له فأردوا ضربه فى مقتل، فأشاعوا بين أهل قريته أن لطفى السيد ديمقراطيا وأن الديمقراطية كفر بالله فخسر الرجل الانتخابات، ولم يستطع أعداء الرجل استخدام هذا الأسلوب الرخيص، وهذه الخديعة فى المدينة لانتشار الوعى والثقافة فى العاصمة والمدن الكبرى، وإن كان هذا نوعاً من الانهيار والفُجر فى الخصومة إلا أن من قاموا به لم يعلنوا عن أنفسهم صراحة لإدراكهم أنه عار، واستخدموا أسلوب الشائعة، وتستمر رقعة الانهيار القيمى فى الاتساع حتى أن جماعة حزب النور الآن تقف علنا لتذيع عبر وسائل الإعلام أن الفكر الليبرالى فكر كافر، وهم المدركون أن الليبرالية هى السند الفكرى الذى قامت عليه كل الأحزاب الوطنية المقاومة للاستعمار الانجليزى لمصر، ولكنه الفُجر فى الخصومة.

أحد الإعلاميين المعروفين بتبعيتهم المباشرة لنظام السيسى كان ومازال يقول “أكره رائحة الشرفاء”

الفُجر فى الخصومة هو الذى ربط بين التدين والإرهاب، الفُجر فى الخصومة هو الذى ربط بين الدفاع عن حقوق الإنسان والعمالة، وكل هذا الانهيار يمثل المعادلة الجديدة للنظام الحاكم الآن، والذى يعتمد على “هتر” القيم السامية والإقلال منها، وابتذالها حتى إن أحد الإعلاميين المعروفين بتبعيتهم المباشرة لنظام السيسى كان ومازال يقول “أكره رائحة الشرفاء”، وكان يطلق رجاله فى المؤسسة التى يديرها ليتتبعوا أصحاب المواقف القيمية حتى لو كانت تضامنًا مع زميل أو مظلوم، ليفرض عليهم الحصار والمراقبة باعتبارهم من الحاملين للفيروس القيمى والأخلاقى.

وصل التصاعد فى الفُجر فى الخصومة إلى أن يتفاخر إعلامى عبر برنامج فضائى بأنه صاحب تسريبات التنصتات على المكالمات لمعارضى النظام، وأن زميله سرق هذه التنصتات ونسبها لنفسه، ويرد عليه مقدم البرنامج فى فُجر “لا تحقرن من المعروف شيئاً.. نحن نفخر بما تفعلونه من أجل مصر”!!! وأصبح التنصت والتجسس معروفا وعملا وطنيا.

 هى قيم نظام ينطبق عليه المثل المصرى “خلع برقع الحياء”.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه