ميركل في القاهرة: الأسباب والنتائج؟

انتهت زيارة ميركل إلى القاهرة من دون مفاجآت غير متوقعة.

  فبينما كانت واضحة في قضية اللاجئين والدور الذي يمكن أن تلعبه مصر فيها، استغل الإعلام المصري الزيارة في الترويج للنظام، وإسباغ الشرعية عليه من دون التركيز علي الهدف الحقيقي الذي جاءت ميركل من أجله، وهو قضية اللاجئين الفارين عبر المتوسط.

زيارة ميركل تطرقت إلى عدد من الملفات التي كان يدور بشأنها جدل منذ فترة طويلة، وكان أهمها على الإطلاق ملف اللاجئين من شمال أفريقيا، وملف المؤسسات الألمانية العاملة في مصر، مثل مؤسسةكونراد أديناور التي تسبب إغلاقها من قبل السلطات المصرية في حدوث  استياء عام في ألمانيا، خاصة بعد توجيه الاتهامات إليها بالعمل بشكل غير قانوني..واتهام العاملين فيها بانتهاك القوانين المصرية!.

الصفقة الكبرى

هناك بالتأكيد جوانب لم يعلن عنها الجانبان في رحلة ميركل إلى القاهرة، من أهمها علي سبيل المثال ضخ  مزيد من الاستثمارات الألمانية في مصر وزيادة حجم الصادرات إليها، وفي الوقت نفسه حاولت الحكومة المصرية ان تقنع الجانب الألماني  بعودة السياحة الألمانية إلى سابق عهدها.

لاشك في أن الحكومة المصرية استغلت الحدث في افتتاح عدد من محطات الطاقة التي قامت شركة “سيمينز” بتنفيذها في عدد من المحافظات المصرية في إطار الصفقة الكبرى  التي وقعتها مصر مع الشركة في يونيو/حزيران 2015 وتبلغ قيمتها 8 مليارات يورو لإنشاء عدد من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز والرياح . وذلك لمحاولة اقناع الناس أن هناك إنجازات تتحققق على أرض الواقع،  رغم أن مصر تتكفل بنفقات هذه المشروعات في إطار أكبر صفقة وقعتها شركة سيمينز عبر تاريخها.

ملف مبيعات الأسلحة الألمانية إلى الجانب المصري بالتأكيد جرت مباحثات بشأنه رغم عدم التصريح بذلك، فألمانيا واحدة من الدول المهمة التي تصدر الأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط،  وكانت مصرفي سنة  2014 قد اشترت معدات خاصة بالغواصات من ألمانيا بلغت قيمتها آنذاك 22 مليون و700 ألف يورو،  وبما أن الجانب المصري مازال مهتما بتكديس الأسلحة، فمن جهتها تحاول ألمانيا منافسة فرنسا في السوق المصري بعد أن نجحت الأخيرة في تمرير صفاقات بالمليارات،  في وقت بلغ فيه حجم الدين الخارجي المصري   55 مليار دولار،  والدين الداخلي 2.25 تريليون جنيه مصري، دون أدنى اكتراث بمزيد من الآسلحة ومزيد من الدين!

 وفق الصحافة الألمانية فإن قضية اللاجئين، والدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في وقف هذه الهجرة المتجهة إلى أوربا، كان هو أبرز نقاط التباحث بين الطرفين،  فألمانيا ستحاول أن تدعم مصر بوسائل متعددة لمنع هذه الهجرة واستقبال المهاجرين العائدين. وقد اعلنت المستشارة في المؤتمر الصحفي عن مساعدة مالية بقيمة 250 مليون يورو، تحصل مصر علي قيمة مساوية لها  العام القادم في إطار مساعدتها للاجئين.

إحدى أبرز تلك الوسائل التي ستسعى ألمانيا إلى تحقيقها،  هي المساعدة في تحقيق الاستقرار الأمني في دول شمال أفريقيا، لذلك استبقت ميركل رحلتها إلى القاهرة، وأشارت إلى رغبتها في العمل مع الجانب المصري من أجل ضمان استقرار ليبيا،  لأنها تعتقد أن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا هو سبب كاف لاستمرار الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر في أوربا. وقد اكدت على ذلك مرة اخرى في مؤتمرها الصحفي  في القاهرة، ثم وهي بصدد زيارة إلى تونس أيضا ستبحث نفس الأهداف والاستقرار في ليبيا.

مصر مستعدة بالتأكيد لتفهم المطلب الألماني بخصوص مشكلة اللاجئين، لكن لن يكون ذلك بالمجان، فمصر في حاجة إلى دعم مالي وسياسي،  لهذا أثنت المستشارة على مصر لاستضافتها نصف المليون لاجئ سوري وأعلنت عن المساعدة المالية لمصر.

معسكرات اللاجئين في مصر

  في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي كانت قد جرت مباحثات تمهيدية حول هذه القضية بين الجانب المصري و “كريستوف هوجين” مستشار الأمن القومي الألماني و”جان هيكر ” منسق شؤون اللجوء،  وفي يناير/كانون الثاني  الماضي أثناء زيارة له لألمانيا أبدى سامح شكري وزير الخارجية المصري تحفظه في مقابلة له مع صحيفة “دي فيلت” الألمانية حول نية الاتحاد الأوربي بناء معسكرات للاجئين في مصرـ  لكنه قال: “إن مصر تستقبل المهاجرين الأفارقة بشكل دائم حتى إن عددهم قارب الخمسة ملايين لاجئ خلال العشرين سنة الماضية،  إضافة إلى مليون لاجئ آخر من العراق وسوريا، لم يتم عزلهم في معسكرات، أو التخلص منهم..إذن  ليس من الضروري توقيع اتفاق مع الجانب الألماني يجعل من مصر مركز استقبال لللاجئين من شمال أفريقيا”.ولكن المساعدة المالية التي اعلنتها المستشارة الألمانية في القاهرة تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن مصر ستقوم بدور للحد من الهجرة عبر المتوسط مقابل المساعدات المالية الألمانية.

يفهم من تصريحات المستشارة ميركل في هذه الزيارة أنها ستعمل سويا مع القاهرة في هذا الملف ، وأن السلطات المصرية مستعدة للمساعدة في  احتواء الهجرة الأفريقية المتجهة إلى أوربا،  أو أنها مستعدة على المدي الطويل من أجل استقبال العائدين منهم من أوربا في ظل تفاهمات ألمانية أوربية مع الجانب المصري، تقدم فيها ألمانيا وأوربا مساعدات مالية كبيرة مع رفع الحظر السياحي، وعودة السياحة الألمانية التي تربو على المليون سائح سنويا إلى مصر.

في الملف السياحي  يبدو أن ألمانيا لن ترضخ للمطالب المصرية قبل أن تحصل بشكل كامل على الاطمئنان التام إلى أمن الطيران،  والتأكد من الجهود التي تقوم بها مصر في مجال تعزيز الإجراءات الأمنية بالمطارات المصرية،  هذا ولم تخرج عن الجانبين أي تصريحات بهذا الشأن،  فالوضع الأمني في مصر مازال معقدا للغاية والتطورات الأخيرة التي تجري في سيناء تمنع أي سائح ألماني حتى من مجرد التفكير في زيارة مصر.

لم يعول أحد كثيراً على زيارة المستشارة  ودور ألمانيا في ملف الديمقراطية،  وحقوق الإنسان المصري،  فألمانيا  في الحقيقة غير مهتمة بالشأن الداخلي المصري قدر اهتمامها باتفاقات المصالح الاقتصادية، أو السياسية التي تصب في مصلحتها هي وليس في مصلحة مصر، ولا تشغلها المطالب الشعبية المصرية التي تنادي بإصلاحات سياسية تشمل ملف الديمقراطية،  وحقوق الإنسان ـ لهذا غابت المطالب الشعبية المصرية في تلك المباحثات، أو هي بالأحرى ستبقى مؤجلة إلى مرحلة أخرى عندما يصبح فيها  للشعب كلمة وصوت مسموع.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه