من يموّل “تيار الاستقلال” في مصر؟

 عبده مغربي*

 

 من أمين شرطة مكلف بحراسة الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر وقتها إلي موظف عادي في مجلس الشعب، ثم ومن هذه الوضعية فجأة يتولى رئاسة جمعية الشبان المسلمين ومنها أصبح رئيساً لما يسمي “تيار الاستقلال”. مجموعة من الوثبات الغامضة في حياة شاب غريب الأطوار اسمه أحمد الفضالي.

 

هو واحد من أهم الغرائب التي لونت الحياة السياسية في مصر بلون الغموض، فلم يٌعرف له نشاط اقتصادي معين، بل إن سيرته الذاتية التي نشرها هو بنفسه علي موقع ” تيار الاستقلال” لم تُشر من قريب أو بعيد إلي إرث ورثه، أو إلي مصنع يمتلكه، أو حتي نشاط تجاري يمارسه، ومع ذلك هو واحد من أهم ماكينات الصرف الآلي المتنقل علي كثير من الفعاليات السياسية بمصر.

 

في يناير 2014  عقد تيار الاستقلال مؤتمراً سياسياً في “ستاد القاهرة” حضره ما يزيد علي 20 ألف شخص، نقلهم الفضالي من مختلف محافظات الجمهورية بمركبات فاخرة تتبع شركات النقل السياحي، وبعيداً أو قريباً من المثل الشائع بأن “الكعكة في إيد اليتيم .. عجبه” فإننا لا يمكن أن نعتبر أن ما في يد احمد الفضالي وما تحت تصرف “تيار الاستقلال” مجرد “كعكة” بل “مشنة كعك” تنتهي ويؤتي له بغيرها، وهكذا. وحتي أثبت لك ذلك ولأني ضعيف في الحساب فقد أحضرت آلة حاسبة وأنا أكتب هذا المقال، بإمكانك أن تحضر مثلها وتقوم معي بالعمليات الحسابية التالية.

 

فإننا إذا رأينا عدد الحضور في هذا المؤتمر السياسي لـ”تيار الاستقلال” الذين حضروا إلي “ستاد القاهرة” والذين تجاوزوا  بحسب أقل التقديرات 20 ألفا من الأشخاص، وقسمناهم علي عدد مقاعد كل “مركبة”  من “مركبات” النقل السياحي التي أقلتهم من بلدانهم إلي القاهرة،  فإننا سنكتشف أن ما يزيد علي 400 “حافلة” تولت عملية نقل هذ الأعداد، وإذا علمنا أن غالبية الوفود أتت من محافظات بعيدة، وإذا علمنا أن تكلفة الحافلة الواحدة ذهاباً وإياباً من وإلي  محافظات مثل “أسوان” أو “قنا” أو “سوهاج” أو “الأقصر” أو “البحر الأحمر” أو “الوادي الجديد” أو “سيناء” أو “مطروح” تزيد علي 10 آلاف جنيه للمركبة الواحدة، وإذا افترضنا أن  متوسط تكلفة المركبة الواحدة بضم المحافظات البعيدة إلي المحافظات القريبة فإن حاصل ضربها وجمعها وكسرها لن يقل عن 5 آلاف حنيه للمركبة الواحدة، ما يعني أن التكلفة  التقديرية لعملية نقل الوفود التي شاركت في هذا المؤتمر فقط لن تقل عن 2 مليون جنيه، وإذا أضفنا لها  6 ملايين جنيه هي تكلفة الإقامة والوجبات الغذائية عن حاصل ضرب الحضور 20 ألف شخص في 300 جنيه هي متوسط تكلفة الفرد من الإقامة والوجبات، فإن إجمالي تكلفة نقل وإعاشة المشاركين مضافاً إليها تكاليف المؤتمر أو الحفل السياسي في حدود 10 ملايين جنيه لمؤتمر سياسي واحد، فما بالنا ببقية المؤتمرات التي يعقدها “تيار الاستقلال” بين حينٍ وأخر. 

 

 بعد 30 يونيو قام “أحمد الفضالي” بتسيير وفود شعبية إلي كل من “روسيا” و “الصين” و “ألمانيا” و “هولندا” و “النمسا” و “السويد” و”سويسرا” وغيرها من البلدان الغربية، وتحمّل ” تيار استقلال” الفضالي تكاليف السفر والانتقال والإقامة، بعض هذه الرحلات تم استئجار طائرات كاملة لاستيعاب من دعاهم الفضالي من نجوم السياسة والفن والإعلام لمشاركته فيها، وكله من “حساب الفضالي” الغامض.

 

من ضمن مظاهر الاحتفال بقناة السويس الجديدة دشن “أحمد الفضالي” و “تيار الاستقلال” حملة دعائية ضخمة،  تماماً مثل بقية حملاته الدعائية المنتشرة والمتكررة مع أي حدث سياسي في مصر، حملات تفوق فيها “تيار الاستقلال” علي كيانات سياسية تحظي بتمويل ضخم مثل حزب “المصريين الأحرار” الذي يقف خلفه ملياردير دولي بحجم نجيب ساويرس، ما يطرح المزيد من علامات الاستفهام، فـ” تيار الاستقلال” و ” أحمد الفضالي”  لا يمكن بحال من الأحوال مقارنته لا بـ” حزب المصريين الأحرار” ولا بـ” نجيب ساويرس” ومع ذلك حينما بدأت الأحزاب دعايتها الانتخابية في موسم الانتخابات البرلمانية  السابق قبل أن يتعطل بحكم من المحكمة الدستورية، خرجت دعاية “المصريين الأحرار” بشكل لا يمكن مقارنته بحال من الأحوال مع دعاية “تيار الاستقلال” التي تفوقت كثيراً علي حزب الملياردير، حيث تفوقت عليه في الميديا وفي الشوارع وعلي واجهات السيارات!.

 

ورغم أن القانون 84 لسنة 2002 الخاص بالجمعيات الأهلية يحظر عليها ممارسة السياسة إلا أن أحداً لم يسأل الفضالي عن مخالفته هذا القانون عندما حوّل مقر “جمعية الشبان المسلمين” في شارع رمسيس إلي مقر سياسي لتحالف “تيار الاستقلال”  يعقد فيه مقابلاته، وفيه يستقبل مرشحي تياره للانتخابات، البعض ذهب إلي أن ” خزينة جمعية الشبان المسلمين” هي التي يصرف منها “الفضالي” على نشاطات “تيار الاستقلال” السياسية، غير أنه من وجهة نظري علي الأقل لا يمكن بحال من الأحوال قبول الطرح، فهي ومهما علت مواردها لا يمكن أن تغطي فعالية واحدة من فعاليات هذا التيار، بل ولا رحلة واحدة من رحلاته إلي الخارج والتي تكلف بعضها وفق تقديرات بعض من شاركوا فيها حوالي 7 ملايين جنيه خاصة في رحلتي روسيا والصين.

 

البعض يقول أن دولة خليجية أو اكثر هي من تموّل “الفضالي” و”تيار الاستقلال” والبعض الآخر يقول إن رجال أعمال يرتبط معهم الفضالي بصداقة هم من يمولون نشاطات التيار، رغبة منهم في الحصول علي ظهير برلماني لتجارتهم   بحيث يستخدمون حصانته مستقبلاً في تمرير تجاراتهم. إلا أنها تبقي جميعاً فرضيات لا يعضدها سند حقيقي واضح علي الأرض، الشيء الوحيد المؤكد أن “أحمد الفضالي” و “تيار الاستقلال” يحصلان علي تمويل سياسي غير معلن، وعلي الجهات الرقابية في مصر أن تسارع باستدعاء الرجل وسؤاله بشكل واضح :” من أين لك هذا؟” .

 

____________________

*كاتب وصحفي مصري 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه