من أوراق معتقل سابق

منذ يومين أوقفتني حملة مباحث على أحد كباري القاهرة ، وطلب منى شخص ملكي الرخص، فاضطررت الى النزول من السيارة لإخراجها من جيبي الخلفي ، وهنا ارتعب رجل الأمن وعاد للوراء بسرعة ويده على سلاحه

محمد منير*

    العنف يجتاح المدينة والتفسيرات كلها تتجه نحو الحقد الأعمى الذى يدفع صاحبه للإرهاب، وللعنف والغضب والكراهية.

واقعة حدثت معي قديماً تذكرتها وأنا جالس على المقهى وابتسمت ابتسامة غير سعيدة  .. كنت شاباً يكره الكراهية، ويحب الحب، ويعشق التواصل مع البشر ويبتسم حتى في وجه الأشرار، وشاء القدر أن اُعتقل وأدخل سجن القلعة بتهمة محاولة إسقاط الحكم، وكان هذا المعتقل معروفاً بأنه سلخانة ينطبق عليها مقولة ” الداخل فيها مفقود .. والخارج منها مولود “. ومابين باب المعتقل وباب الزنزانة تم اقتيادي معصوب العينين عبر دهاليز وممرات تشكلت ملامحها وحوائطها من خيالي ، وانتهت الرحلة القصيرة شديدة الطول مابين البوابتين بخلع العصابة عن عينيي في غرفة حجرية لا تتمتع بالضوء ولا تنعم بالظلام وتقع في منزلة بينهما ، وظللت بها  خمسة أيام لا أخرج إلا مرتين يوميا معصوب العينين لقضاء الحاجة برفقة حارس.

 ظللت هذه الأيام الخمسة في  حالة ترقب للحظة التعذيب وما سوف يعقبها من مصير مجهول، وبعد هذه الأيام الخمسة، وفى ساعة متأخرة من الليل تم فتح الباب بقوة وقام شخصان بتعصيب عينى واقتيادي بعنف خارج الزنزانة، ودفعي بسرعة عبر الممرات الملتوية، وهنا ادركت أن اللحظة المرتقبة قد حانت فاستدعيت كل أدوات المقاومة واستنفرت كل انفعالاتي  لمواجهة المصير الذى قد يكون النهاية، وفجأة تم دفعي الى حجرة دون فك العصابة شممت فيها رائحة منظفات المستشفيات ولمحت من وراء العصابة ضوء قوى، فصرخت بأعلى صوتي وبانفعال شديد ” اسمعوا لو عملتوا أكتر من كده لا حأقول حاجة ولا حأوقع على حاجة وأنا اصلا عايز أموت”.

وفى عنف شديد دفعت يد الحارس عنى حتى سمعت صوت جسده يرتطم بالحائط ، وفى هذه اللحظة تم سحب العصابة عن عيني ودفعي في الحائط المقابل بعنف وصوت لشخص يقول ” اتنيل انت بتقول إيه؟ مش حتقول إيه وحاجة إيه، احنا بننقلك لزنزانة تانية عشان محتاجين زنزانتك، والله لولا أن مافيش أوامر كنت نفختك، كده وقعت العسكري على الأرض .. عيل عدائي وحاقد صحيح ” .

 وظللت طول الليل أسأل نفسى: ” هل أنا عدائي وحاقد؟ وما الذى دفعني لخبط العسكري في الحائط ؟؟ ”
من المسئول يا سادة عن مناخ الكراهية والحقد؟، وهل الحاقد أو العنيف هو الجاني أم المجنى عليه؟، هل هو سبب أم نتيجة؟.

تذكرت هذه القصة بعد حديث مع أصدقاء عن انتشار حوادث اغتيال ضباط الشرطة، وآخرها حادث اغتيال الرئيس السابق لمباحث المطرية، وعسكري المراسلة الخاص به، وتداول فيديو للضابط على مواقع التواصل الاجتماعي يظهره منذ سنوات وهو يختبئ داخل مسجد  هربا من الأهالي الذين كانوا يطاردونه بعد قتله لشخص، وبعد ذلك بسنوات تم اغتياله علنا في الشارع، وتساءلت هل الفاعل قاتل حاقد ام صاحب ثأر أمهل غضبه سنوات لعله يحصل على حقه بالقانون وفشل؟.

منذ يومين أوقفتني حملة مباحث على أحد كباري القاهرة، وطلب منى شخص ملكي الرخص، فاضطررت الى النزول من السيارة لإخراجها من جيبي الخلفي، وهنا ارتعب رجل الأمن وعاد للوراء بسرعة ويده على سلاحه ، وارتعبت أنا أيضاً ورجعت مستندا على السيارة، ماذا لو امتدت اللحظة، وقتل أحد منا الآخر بفعل الخوف؟، في كل الأحوال كنت سأكون أنا الإرهابي سواء كنت  قاتلا أو مقتولا ..
من المسئول يا سادة عن هذ الحالة التي نعيشها، لا تلجأوا للإجابات السهلة ، فالأمر جد خطير .
 وأخيرا خالص العزاء لأسرة المجند الذى قتل مع الضابط بلا أي ذنب اقترفه وغيره كثر.

_________________

*كاتب صحفي مصري 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه