ممدوح الولي يكتب: ولا تزال أزمة الدولار مستمرة!

وحلت بعض شركات الصرافة المشكلة بتدبير احتياجات المستوردين من المصريين العاملين بالخارج ليتم ارسالها مباشرة إلى الشركات الموردة في دولها.. يتبع.

ممدوح الولي*

خلال العام الحالي، لا تكاد مشكلة ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي تهدأ، حتى تعود من جديد، والنتيجة ارتفاع غير مسبوق، يؤثر على أسعار السلع المستوردة، سواء الغذائية منها أو المواد الخام والسلع المعمرة والآلات والمعدات، وهكذا فإن المكونات المستوردة التي تدخل في إنتاج السلع تساهم في رفع سعرها هي الأخرى.

ومع الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 زادت معدلات نقص العملات الأجنبية، نتيجة  تراجع السياحة والاستثمار الأجنبي، مع إعلان حالة الطوارىء والانقسام المجتمعي وتدهور حالة الأمن، وكان  الملاذ متمثلا في الاعتماد على المعونات الخليجية.

لكن سخاء المعونات الخليجية لم يستمر سوى عام ونصف العام فقط، فاضطر نظام الانقلاب إلى طلب قروض وودائع من الخليج تغطي نقص العملات الأجنبية، واستجابت له دول الخليج الثلاث: السعودية والإمارات والكويت، حتى بلغت قيمة القروض والودائع في عام واحد 20 مليارا و500 مليون دولار، الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى التشدد في منح الدولار للمستوردين، فقصره على الغذاء والأدوية والمواد الخام، ما دفع باقي المستورين لتدبير احتياجاتهم من بقية السلع من السوق السوداء، ورافق ذلك عودة البنك المركزي إلى سياسة تحريك سعر الصرف، لتضييق الفجوة القائمة بين السعر الرسمي الذي لا يحصل عليه الجميع وبين السعر في السوق السوداء.

تحرك السعر بالتدريج من سبعة جنيهات حتى أصبح 7.14 جنيهات للدولار ، وقام المركزي باتخاذ إجراءات عنيفة تجاه شركات الصرافة، ثم حرك السعر حتى وصل إلى 7.63 جنيهات ثم إلى 7.78 جنيهات، مستمرا في إجراءاته ضد شركات الصرافة إلى حد إغلاقها وجلب موظفين من البنك المركزي لإدارتها ، كما قام بوضع حد أقصى يومي  للودائع الدولارية بنحو عشرة آلاف دولار، وحد أقصى شهري خمسون ألف دولار .

لكن تلك الحدود لم تناسب احتياجات المستوردين الذين تتعدى قيمة تعاملاتهم ذلك بكثير، فتحايلوا بفتح أكثر من حساب مصرفي، ولكن البنك المركزي خصص حسابا واحدا فقط لكل شركة، وهكذا أصبح المستوردون في مأزق، وأثر تأخرهم في سداد التزاماتهم تجاه الموردين فى تأثر تعاقداتهم  مع تلك الشركات. 

وحلت بعض شركات الصرافة المشكلة بقيامها بتدبير احتياجات المستوردين من المصريين العاملين بالخارج خاصة بمنطقة الخليج ، ليتم إرسالها من دبي أو من غيرها مباشرة إلى الشركات الموردة في دولها، دون المرور على السلطات المصرفية المصرية، ولكن مقابل عمولة كبيرة وصلت أحيانا  إلى 5% من قيمة المبلغ، ما زاد من تكلفة تدبير الدولار، وظهور أرقام للسعر غير مسبوق تخطت أحيانا 8.70 جنيهات للدولار .
وساهمت عوامل أخرى في ظهور أرقام غير مسبوقة لسعر الصرف، ومنها تآكل الاحتياطى من العملات الأجنبية بالبنك المركزى، رغم الحصول على ودائع خليجية قيمتها 6 مليار دولار أواخر ابريل من العام الحالى ساهمت فى زيادة الاحتياطى .

 وكذلك الحصول على قيمة سندات خارجية تم طرحها فى  يونيو من العام الحالى بقيمة 1.5 مليار دولار ، إلا أن الاحتياطى فقد4.7 مليار دولار خلال خمسة أشهر فقط مابين أبريل/نيسان وأغسطس/آب، بمتوسط شهرى 939 مليون دولار،  أي أن حصيلة الودائع الخليجية والسندات الخارجية البالغة 7 مليارات و500 مليون دولار، متوقع نفادها  خلال شهر نوفمبر/تشرين الأول المقبل إن لم يكن قبل ذلك.

فهناك احتياجات استيرادية حكومية جديدة منها  استيراد الغاز الطبيعى ، الذى كانت تصدره مصر ، واحتياج لاستيراد السماد والأسمنت والحديد لتعويض نقص الإنتاج ، نتيجة عدم توفير احتياجات مصانع السماد والإسمنت والحديد  من الغاز الطبيعى .

علاوة على الاستيراد الحكومى المعتاد من القمح والزيت وغيرها، والمنتجات البترولية من البوتاجاز والسولار والمازوت والبنزين، والمستلزمات المستوردة لمواجهة المظاهرات من خرطوش ومطاطي وغاز مسيل للدموع وغيرها.

أقساط وفائد الديون
ولا تقتصر المدفوعات الحكومية على الواردات السلعية وسفريات المسؤولين المتكررة، فهناك أقساط وفوائد للديون التى تخطت حاليا 47 مليار دولار، والتى لم يعلن البنك المركزي أرقامها منذ مارس/آذار من العام الحالي ، ومن ذلك قيمة سندات حكومية بقيمة 1.250  مليار دولار ، يحل موعد استحقاقها بشهر سبتمبر الحالى .

وهناك طلب آخر كبير على الدولار بالسوق غير معروف حجمه، مستعد لدفع سعر صرف أعلى، يتمثل في التعامل بالأنشطة غير المشروعة كشراء المخدرات أو الأسلحة أو السلع المهربة، إلى جانب شراء البعض الدولار للاحتفاظ به توقعها لارتفاع سعره، خاصة وأن مسؤولا حكوميا ومراكز بحثية أشاروا لذلك.

يقابل تلك الاحتياجات من العملات الأجنبية استمرار انخفاض الاستثمار الأجنبى المباشر، وتراجع تعاملات الأجانب بالبورصة، بسبب عدم استطاعتهم تحويل أرباحهم للخارج لنقص الدولار، واستمرار تراجع حصيلة التصدير، والذى استمر فى شهر أغسطس/آب الماضى للشهر الثامن على التوالى خلال العام الحالى .
وتوقع تأثر السياحة سلبا بحادث مقتل السياح المكسيكيين بالواحات، وانخفاض عدد السفن المارة بقناة السويس في شهر أغسطس/آب الماضى برغم افتتاح التفريعة الجديدة في بداياته، بسبب ضعف التجارة الدولية.

ومن هنا، لا يوجد مخرج واضح في الأجل المنظور، لتحقيق استقرار قيمة الجنيه المصري تجاه العملات الأجنبية ، بسبب نقص المعروض منها وتزايد الطلب عليها، وعدم استطاعة البنك المركزي ضخ المزيد منها .

__________________________

* كاتب وخبير اقتصادي مصري 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه