ممدوح الولي يكتب: انخفاض الأسعار عالميا لا يصل للمستهلك

من الصعب منع الإتاوات التي يفرضها موظفون حكوميون، ورجال أمن على باعة التجزئة، والتي تدفعهم لزيادة هامش الربح لتعويض تلك الإتاوات المتعددة. وهكذا فهناك جيش من الرسميين المستفيدين من عشوائية الأسواق. يتبع

ممدوح الولي*

 
منذ عام ونصف العام وأسعار الغذاء بالعالم تتجه الى الانخفاض ، حتى وصلت الى مستوياتها قبل سبع سنوات، وتلى ذلك انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي، والفحم، كما واكبه انخفاض أسعار المعادن والأخشاب والمواد الخام الزراعية .

وانخفض مؤشر أسعار الغذاء الذى تصدره  منظمة الأغذية والزراعة في شهر أغسطس، الى أدنى مستوى له منذ نهاية عام 2008 ، كما بلغت نسبة تراجعه بالقياس إلى أسعار الغذاء في أغسطس من العام  الماضي 21.5 % ، بسبب وفرة المعروض من السلع وهبوط أسعار الطاقة، والمخاوف من المتباطئ الاقتصادي بالصين وآثاره السلبية على الاقتصاد العالمي .

وشمل التراجع السنوي كل المجموعات السلعية المكونة لمؤشر أسعار الغذاء، لتصل نسبة الانخفاض 33 % للسكر، 32.5 % لمنتجات الألبان والتي تتضمن الزبد واللبن المجفف والجبن، و19 % للزيوت والدهون والتي تضم عشر أنواع من زيوت الخضروات، و18 % للحوم والتي تتضمن الدواجن واللحم البقري ولحم الأغنام، و15 % للحبوب والتي تتضمن القمح والذرة والأرز والشعير .

وأشارت البيانات الشهرية لأسعار السلع التي يصدرها البنك الدولي، إلى تراجع أسعار الحبوب خلال شهر أغسطس الماضي، ليصل طن الذرة إلى  163 دولاراً بينما كان 298 دولاراً قبل ثلاث سنوات، وبلغ القمح الصلد 180 دولاراً مقابل 313 دولاراً قبل ثلاث سنوات، كما  انخفض سعر الأرز والشعير .

وفيما يخص الزيوت فقد تراجع زيت النخيل إلى 551 دولاراً للطن في أغسطس مقابل 999 دولار للطن قبل ثلاث سنوات، وانخفض زيت الصويا الى 730 دولار مقابل 1226 دولار قبل ثلاث سنوات، كما انخفض سعر زيت جوز الهند وزيت الفول السوداني، كما انخفضت لحوم الأغنام والأسماك والجمبري.

وشمل التراجع السعرى كل أنواع المعادن من ألومنيوم وحديد ونحاس ورصاص ونيكل وقصدير وزنك وذهب وفضة، إلى جانب الأخشاب والقطن والمطاط  وسماد اليوريا، وبلغ خام برنت خلال أغسطس 47 دولار للبرميل ، مقابل 99 دولار كمتوسط لسعر النفط خلال العام الماضي، كما انخفض سعر الغاز الطبيعي فى أوربا وأمريكا  واليابان وكذلك الفحم .

دهشة المستهلك العربي
ويقرأ المستهلك العربي تلك الأخبار بدهشة كبيرة، حيث تستمر الأسعار داخل الأسواق المحلية العربية في تصاعدها ، ولم تشهد حتى ثباتا في مستوياتها ، ويعود عدم انتقال أثر تراجع الأسعار عالميا إلى المستهلك العربي للعديد من الأسباب نذكر بعضها ، بالقياس على السوق المصرية :

-ارتفاع المخاطر الأمنية داخل العديد من البلدان العربية، وانخفاض درجة التصنيف الائتماني لها ، مما يدفع الموردين للسلع لطلب دفع قيمة السلع مقدم ، وهنا يضطر المستوردون الى الاقتراض المصرفي بفائدة مرتفعة ، قد تتوازى في نسبتها مع نسبة  الانخفاض السعرى للسلعة في بلد التصدير، الى جانب ارتفاع هامش التأمين على الصفقة .

وإلى جانب صعوبات الاقتراض المصرفي لتمويل استيراد السلع ، تظهر مشكلة نقص العملات الأجنبية  اللازمة للاستيراد ، مما  يضطر المستوردون لشراء العملة من السوق السوداء بأسعار أعلى ، وهذا الفرق في سعر تدبير العملة يقلل من الاستفادة من انخفاض سعر السلعة المستوردة .

-دفع جمارك على السلع المستوردة ، كما تتسبب طول إجراءات الإفراج الجمركي عن السلع إلى تحميلها نفقات إضافية رسمية ، من خلال رسوم الأرضيات نظير بقائها بالموانئ لفترة قبل خروجها .

 كما تتحمل الشركة المستوردة دفع العديد من أنواع الضرائب، ومنها ضريبة الدخل والضرائب على المبيعات للسلع المستوردة، إلى جانب الضرائب العقارية والرسوم التي تدفعها على السيارات ورسوم الموانئ ، ورسوم الطرق والموازين ، والدمغات على الايصالات والمخالصات والفواتير ، والدمغات على الشهادات والإقرارات وعلى العقود. 

إلى جانب المدفوعات غير الرسمية في كل مرحلة منذ وصول السلعة إلى الميناء ، وحتى وصولها إلى مخازن الشركة، بما في  ذلك رشاوى رجال المرور على طول الطريق.
 

وخلال رحلة وصول السلعة من المستورد إلى المستهلك، تمر بعدة حلقات من الوسطاء، من خلال تجار الجملة ونصف الجملة وتجار التجزئة، وكل حلقة تضع هامشا للربح يضاف لسعر السلعة النهائي.
 

الجشع والاحتكار
وبعض تلك الحلقات لا يوجد سقف لما تضيفه من هامش على السعر ، سواء بسبب الجشع او ارتفاع معدلات الفاقد في بعض السلع ، أو أعمال السلب والنهب التي تتعرض لها سيارات نقل السلعة ما بين المخازن الى التوزيع ، وكذلك  احتكار بعض المستوردين لبعض السلع والتحكم في سعر بيعها  بغض النظر عن سعرها بالخارج

وهناك صعوبة للتصدي  لعلاج تلك العوامل المسببة لعدم استفادة المستهلكين المحليين من تراجع الأسعار بالخارج ، خاصة أن هناك جهات حكومية تشارك في الاحتكار وتستفيد منه ، ودور جمعيات حماية المستهلكين هامشي.
 

ولهذا فإن مسار أسعار السلع سيظل يسير في اتجاه واحد نحو الصعود المستمر، حيث تتصل قضية أسعار السلع بالمناخ العام السائد ، فمن الصعب منع رجال المرور على الطرق من فرض إتاوات على سيارات نقل السلع.

ومن الصعب منع الإتاوات التي  يفرضها موظفون حكوميون ورجال أمن على باعة التجزئة، والتي  تدفعهم لزيادة هامش الربح لتعويض تلك الإتاوات المتعددة، وهكذا فهناك جيش من الرسميين  المستفيدين من عشوائية الأسواق ، والغريب أنه منوط بهؤلاء الرسميين الفاسدين في نفس الوقت ، مراقبة الأسواق وضبط الأسعار !.

__________________________

*كاتب مصري وخبير اقتصادي 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه