ممدوح الولي يكتب: الشفافية الغائبة في مصر

كم عدد المصانع المتعثرة؟ هناك رقم لدى وزارة الصناعة، وآخر لدى هيئة تحديث الصناعة، وأرقام أخرى لدى جمعيات المستثمرين، وهكذا غير معروف حجم الطاقات العاطلة. يتبع

ممدوح الولي* 
رغم وجود الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، والعديد من الأجهزة الرقابية فما زالت أرقام عديدة أساسية غائبة، فلا أحد يعرف عدد المودعين بالبنوك المصرية رغم ميكنة عمليات البنوك.

 فالبعض يقول إنها عشرة ملايين ، وآخرين يقولون إنهم 12 مليوناً ، رغم أنه يجب إعلان الرقم بدقة دوريا، حتى يمكن من خلاله تحليل ظاهرة الودائع المصرفية.

أيضا عدد المستثمرين النشطين بالبورصة المصرية، البعض يقول هم حوالى 26 ألف مستثمر، والبعض يرفع العدد إلى 40 ألفا، والبعض يحسب العدد التراكمى بغض النظر عن إجراء تعاملات منذ سنوات، كي يرفع الرقم ليتعدى المليون.

كم عدد المصانع المتعثرة؟ هناك رقم لدى وزارة الصناعة، وآخر لدى هيئة تحديث الصناعة، وأرقام أخرى لدى جمعيات المستثمرين، وهكذا غير معروف حجم الطاقات العاطلة؛ رغم أن حل المشكلة يتطلب بيانات أكثر تفصيلا ، عن أسباب التعثر وتوزيعها  حسب نوعية النشاط، والتوزيع الجغرافي لها، وعدد العمالة المتضررة وغير ذلك.
 

وهكذا تتعدد صور الشفافية الغائبة، فلا أحد يعرف تكلفة تفريعة قناة السويس، وعندما يقول رئيس هيئة قناة السويس إنها 21 مليار جنيه؛، فهل يشمل الرقم تكلفة عملية التكريك التي قامت بها شركات أجنبية وتقاضت أجرها بالدولار؟ 

حصيلة مشروعات المؤتمر الاقتصادي
وما هى حصيلة مشروعات المؤتمر الاقتصادي الذى تم عقده بشرم الشيخ فى مارس الماضي ، خاصة وأن بيانات البنك المركزي تشير الى بلوغ قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر ، الداخل لمصر خلال الشهور الثلاثة التالية لانعقاد المؤتمر ، 690 مليون دولار تشمل بيع أراض للمصريين بالخارج، ومشتريات أجانب بالبورصة تزيد عن نسبة العشرة بالمائة بالشركات المصرية، وأرباح غير موزعة في شركات أجنبية موجودة بالداخل .

وهكذا يمكن ذكر العديد من الأمثلة، مثل قيمة المعونات الخليجية لمصر، وهل هى 14.6 مليار دولار فقط في العامين الماليين الأخيرين كما يقول البنك المركزي المصري؟ وكم يبلغ رصيد صندوق تحيا مصر؟، وكم عدد الشركات الأجنبية التي خرجت من مصر فيما بعد الثالث من يوليو/تموز 2013 والتي يذكر البنك المركزي أن قيمتها 13.3 مليار دولار، وكم تبلغ تكلفة استصلاح المليون ونصف فدان؟ 

وعلى الجانب الاجتماعي تتعدد صور ضعف الشفافية، فلا يوجد رقم موثق لحجم مشكلة الاسكان، أو عدد الوحدات السكنية المنفذة سنويا، أو عدد الوحدات الخالية. ونفس الأمر لعدد المناطق العشوائية وعدد سكانها، حيث توجد ثمانية أرقام لذلك لا تلقى كلها قبولا من المتخصصين.

وكم عدد المسيحيين؟، وكم يبلغ عدد المعتقلين بالسجون المصرية؟ وذلك بغض النظر عن تصريحات المسؤولين بأنه لا يوجد معتقل واحد بالسجون. وكم يبلغ عدد قتلى فض اعتصام ميدان رابعة وغيرها من الميادين المصرية ؟، ومن قتل النائب العام؟

والمعروف أن بعض الجهات المصرية الرسمية قد أتاحت بيانات دورية لتحسين صورتها أمام المؤسسات الدولية ، مثل البنك المركزي ووزارة المالية ووزارة الاستثمار، إلا أن بياناتها عادة ما تغفل كثير من  التفاصيل الهامة ، كما يتم تأخير كثير من البيانات الدورية مما يقلل من جدواها .

فرغم أن بيانات البنك المركزي اليمنى -على سبيل المثال- عن قيمة الصادرات البترولية اليمينة، تذكر ما يخص الحكومة اليمنية منها وما يخص الشريك الأجنبي منها، إلا أنه في مصر من المستحيل معرفة نصيب الشريك الأجنبي من قيمة تلك الصادرات، وها هى بيانات الدين العام المحلى تغيب منذ شهر مارس/آذار وحتى نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول.

وإذا كان ما سبق من السهل الإفصاح عنه لو توافرت النية، فهناك أمور أخرى أكثر تعقيدا، فلا أحد يعرف حجم الاقتصاد الموازي وعدد العمالة به، أو حجم عمليات التهريب، أو حجم اقتصاد المخدرات أو الدعارة أو تجارة السلاح والعمالة بها، وغير ذلك من الأنشطة غير المشروعة.

البيانات الرسمية
وعادة لا تجد بيانات كثير من الجهات الرسمية قبولا لدى الكثيرين، مثل بيانات التضخم، نظرا للتحفظ على الأوزان النسبية للسلع التي يعبر عنها، وبيانات المتحدث العسكري والمتحدث باسم وزارة الداخلية ، وعندما غضب الرسميون على ما قاله المتحدث الرسمي للطب الشرعي فقد تم تغييره ثم إلغاء المنصب تماما.

كما يلاحظ حالة من التعتيم والحرص على انفراد وجهة النظر الرسمية بالساحة ، فلم يسمع أحد رأى وزير الزراعة السابق فيما تم توجيهه إليه من اتهامات غير منطقية، ونفس الأمر للاتهامات الموجهة الى رئيس جمعية مكافحة الفساد. وكذلك الاكتفاء بما يرد في بيانات المتحدث العسكري فيما يخص الأحداث في سيناء وغيرها ، ومعاقبة من يخالف وجهة النظر الرسمية.

وكذلك غموض الكثير من القرارات الرسمية، فلا أحد يعرف لماذا تم استبعاد رئيس الوزراء السابق محلب؟ ولما تم إلغاء وزارات التعليم الفني والعشوائيات والبحث العلمي؟، وما هو مصير اختراع علاج الإيدز بالكفتة؟ 

والنتيجة صعوبة اتخاذ القرارات لدى المستثمرين سواء بالدخول للسوق أو توسيع أو تقليل النشاط، ونفس الأمر للمستوردين والمصنعين والتجار، وها هى مسؤولة سياحية تشير إلى  أن عدم الشفافية فيما سيتم اتخاذه من قبل الحكومة المصرية تجاه ضحايا حادث الواحات قد قلل من سفرهم لمصر.

كما يؤدى ضعف الشفافية إلى ضعف ثقة الجمهور فى البيانات الرسمية الخاصة بالفقر والبطالة والأسعار والنمو والاستثمار ومعدلات مشاركة الجمهور بالانتخابات وغيرها .

___________________________

*كاتب  مصري وخبير اقتصادي 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه