ممدوح الولي يكتب: اقتصاد 2016 مزيداً من التعثر

*ممدوح الولي

تشير معطيات أداء الاقتصاد المصري خلال عام 2015 ، المتخمة بالعديد من أشكال العجز الكبير سواء بالموازنة أو بميزان المدفوعات ، أو بالفجوة بين الاستثمار والادخار ، إلى توقع استمرار تلك الأشكال من العجز، رغم التطمينات المعتادة للمسؤولين بالحكومة المصرية ، والتي لم تتحقق خلال السنوات الأخيرة .
فها هى بيانات وزارة المالية المصرية تشير الى استمرار معدلات العجز الكلى بالموازنة ، وبمعدلات ستزيد عن نسبة العشرة بالمائة خلال العام المالي الحالي ، مما سيفاقم من الدين المحلى والخارجي ، الذى تتصاعد تكلفته بمصروفات الموازنة ، من فوائد وأقساط تلتهم حوالى نصف الإنفاق العام .
وهو ما يؤدى الى الضغط لتقليل مخصصات دعم الوقود والغذاء والخدمات ، حتى بدون روشته صندوق النقد الدولي لقلة الموارد ، كذلك صعوبة تحسين دخول موظفي الحكومة البالغ عددهم نحو الستة ملايين موظف ، وقلة الاستثمارات الحكومية في مجالات مياه الشرب والصرف الصحي والمستشفيات والمدارس والطرق والكباري.
 وهو ما ينعكس على استمرار الركود بسوق المقاولات باعتبار الحكومة الزبون الأكبر بسوق المقاولات ، علاوة على تأخر صرف مستحقات المقاولين  وبالتالي عدم حصول العمالة لديهم على حقوقهم المالية ، وضعف مبيعات محلات الجملة الموردة للحكومة .
كذلك ضعف الإنفاق على الخدمات الصحية بالمستشفيات العامة ، واستمرار ظاهرة جلب المرضى لمستلزمات العلاج والعمليات الجراحية على نفقتهم الخاصة ، ونقص الخدمات التعليمية ، وقلة الإنفاق على صيانة الطرق والكباري ومباني الهيئات الحكومية .
وفى ضوء تراجع الصادرات المصرية واستمرار زيادة الواردات ، رغم الاجراءات التي قام بها البنك المركزي خلال عام 2015 لتقليل الواردات ، وهى الاجراءات التي سيستمر فيها خلال العام الجديد بتشدد أعلى ، بالتنسيق مع مصلحة الجمارك ووزارة التجارة الخارجية ، لتكون عمليات الاستيراد بتغطية مصرفية كاملة من قبل المستوردين، وفرض الجمارك حسب أسعار الموردين .
إلا أنه في ضوء الثقوب المتعددة في منظومة الجمارك والموانئ الحدودية ، ستنشط عمليات التهريب بشكل أكبر، وهى التي لم تتوقف يوما ما ، لما تحققه من مصالح لكل أطرافها ، سواء من العاملين بالجمارك أو بجهات رقابية ، أو من المستوردين لسلع تجد إقبالا من المستهلكين ، والمستعدين لدفع قيمة الرسوم لهؤلاء الرقباء ، بدلا من دفعها لخزينة الحكومة .
كما تواجه كثير من الصادرات الخدمية وأبرزها السياحة وقناة السويس والمقاولات ، مشاكل أدت لنقص الحصيلة، حيث تسبب تراجع أسعار النفط في تفضيل كثير من السفن المرور عن طريق رأس الرجاء الصالح ، بدلا من دفع رسوم خلال المرور عبر قناة السويس ، الى جانب ضعف الحركة التجارية بالعالم ، وخاصة مع المشاكل الاقتصادية بالمنطقتين اللتين تحتاجان أكثر للمرور بالقناة ، وهما جنوب آسيا وغرب أوربا .
وها هى المعونات الخليجية تتوقف منذ نهاية 2014 ، لتتحول الى قروض ، ثم الى حديث عن استثمارات مؤجلة لحين الاستقرار الأمني ، ليعوضها النظام المصري بالمزيد من الاقتراض الخارجي ، علاوة على الاقتراض الداخلي الضخم والمستمر أيضا .
وفى ضوء استمرار مشاكل المنتجين ، وأبرزها ضعف الثقة في توجهات النظام الحاكم تجاههم ، وامكانية التنكيل بهم دون سابق انذار لمجرد تحريات أمنية غير دقيقة ، أو وشايات مغرضة من قبل بعض العاملين لديهم أو من المنافسين ،  فقد آثروا التريث وترقب تغير الأوضاع ، خاصة مع استمرار حصارهم بمشكلات نقص العملة ونقص الأراضي الصناعية وصعوبات التمويل المصرفي والابتزاز العمالي وضعف القدرات الشرائية لدى المستهلكين .
أما الاستثمار الخارجي فقد أشارت بيانات البنك المركزي الى انخفاضه ، خلال الأشهر الستة التالية لانعقاد المؤتمر عن نفس الأشهر بالعام السابق ، ولم تسفر العديد من الزيارات لرجال أعمال من دول مختلفة ، أو القيام بزيارات رسمية ولقاءات مع رجال أعمال في بلادهم عن تحريك عجلة الاستثمار ، وأصبح شراء المصريين بالخارج  لأراضي سكنية ، يشكل جانبا كبيرا من أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر فى مصر التي تتغنى بها  الحكومة .
في هذه البيئة من العزوف الاستثماري المحلى والعربي الأجنبي يمكن توقع استمرار معدلات البطالة المرتفعة ، والتي لا تجد السلطة الحاكمة أمامها لعلاجها سوى البيانات الملفقة عن تراجع معدلات البطالة ، خاصة بعد انتهاء الحجة التي كانوا يستندون اليها وهى مشروع تفريعة قناة السويس ، رغم أنها كانت عمالة مؤقتة ، والتي انتهى دورها أوائل أغسطس الماضي ، ورغم ذلك يصرحون بتراجع البطالة في سبتمبر الماضي .
وستستمر معدلات التضخم مرتفعة رغم تراجع أسعار الغذاء والمعادن عالميا ، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وعشوائية التجارة ، والتي لن تفلح المنافذ الحكومية في القضاء عليها ، خاصة وأنها لا تستند الى قواعد انتاجية أو قدرات تمويلية تضمن استمرار دورها .
وكان صندوق النقد الدولي في تقريره عن الاقتصاد المصري ، قد توقع استمرار العجز بالموازنة وبميزان المدفوعات واستمرار ارتفاع الدين الخارجي وكذلك معدلات التضخم والبطالة المرتفعة ، ليس فقط خلال العام الجديد ، ولكن حتى عام 2020 ، وهى آخر سنة أعلن الصندوق توقعاته عنها .

_______________________________

* كاتب مصري وخبير اقتصادي 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه