مقدّمات للحرب على ليبيا

إذا تعثّرت لغة الحوار في بلد شقيق فإننا سنعلن عليه الحرب وندعو إلى استعماره. تلك هي النظريّة الجديدة التي استنبطها مدير معهد الدراسات الاستراتيجيّة بعد أيّام قليلة من تعيينه بقرار من الباجي قايد السبسي

عبد الرزاق قيراط*

 
إذا تعثّرت لغة الحوار في بلد شقيق  فإننا سنعلن عليه الحرب وندعو إلى استعماره. تلك هي النظريّة الجديدة التي استنبطها مدير معهد الدراسات الاستراتيجيّة بعد أيّام قليلة من تعيينه بقرار من رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي. وقد أوصاه خلال لقائهما في قصر قرطاج بضرورة أن يكون المعهد سندا “لأجهزة الدولة عبر الدراسات الاستشرافية المتّصلة بالقطاعات الحيوية الأمنية…، والبحث في التوقي من كلّ المسائل الطارئة”.
وتنفيذا لتلك التوصيات، صوّب المدير الجديد والوزير السابق في عهد بن علي حاتم بن سالم نظرته الاستشرافيّة الثاقبة نحو ليبيا فقال مسدّدا بحزم وجزم: “من المستحيل اليوم أن توجد كل الأطراف الليبية في حكومة واحدة، والمفاوضات الجارية اليوم لن تفضي إلى أي حلّ ديبلوماسي. الحل الوحيد لمشاكل ليبيا هو بفرض إدارة دولية محايدة لخمس سنوات لوضع لبنات دولة ليبية موحّدة.”
وبتعبير آخرَ يكشفُ عن خطورة ما قيل، نستنتج أنّ الرجل يدعو إلى غزو الأراضي الليبيّة وشنّ حرب جديدة على بلد عربيّ شقيق (لغاية نبيلة بطبيعة الحال) هي تشييد دولة فاضلة تتوحّد فيها جميع الأطراف المتنازعة. حرب من أجل القضاء على مظاهر الاختلاف بين الأشقّاء في أراضيهم التي تسبح على بحيرات الغاز والبترول. حرب من أجل السلام، تشنّها أمريكا ومن يتحالف معها كما جرت العادة في كلّ الحروب السابقة التي قطعت دابر الارهاب في أفغانستان، وقضت على أسلحة الدمار الشامل في العراق، وأرست نظاما ديمقراطيّا في بغداد جلب للعراقيّين رفاهيّة وازدهارا لا مثيل لهما..
لقد قوبل تصريح بن سالم باستغراب في تونس، وغضب في ليبيا. ولكنّ المتأمّل في سياقه، يلاحظ تناغمه مع تحليلات استشرافيّة أخرى تناقلتها وسائل الإعلام المحليّة والأجنبيّة بعد العمليّة الارهابيّة التي وقعت في مدينة سوسة الساحليّة. فجلّ ما تمّ تسويقه يوجّه أصابع الاتهام إلى الفوضى التي تعرفها المدن الليبيّة حيث يغيب مفهوم الدولة بشكل خطيرٍ فَسّحّ المجال أمام جماعات تتنازع السلطة بقوّة السلاح. وتوصف تلك الجماعات بكونها “متشدّدة” أو “إرهابيّة” تستقطب الشباب وتدرّبهم على حمل السلاح وفنون القتال.. وفي هذا السياق، قال الحبيب الصيد لقناة سي أن أن  الأمريكيّة  إنّ “الوضع في ليبيا سيّء جدا،.. مع وجود عصابات مسلّحة تقوم بتدريب الإرهابّيين ومن ثمّ يعودون إلى تونس”. وأعلن مسؤول كبير في وزارة الداخليّة التونسيّة أنّ “الجهادي سيف الدين الرزقي (الذي قتل السيّاح) ذهب الى ليبيا بشكل غير شرعيّ، وتمّ تدريبه (على حمل السلاح) في صبراتة في معسكر تابع لجماعة أنصار الشريعة الاسلامية المتطرفة”. وأكّد أن “الرزقي غادر تونس نحو ليبيا خلال الفترة نفسها مع تونسيَّيْن آخريْن قتلا 21 سائحا أجنبيّا يوم 18 مارس الماضي في الهجوم على متحف باردو”
وعلى العموم، تُجمع جلّ التصريحات التي أعقبت عمليّة سوسة، على اعتبار تونس ضحيّة لما يجري في ليبيا، ما جعل خبيرا فرنسيّا يتحدّث للقناة الإخباريّة (i télé) بأسلوب متعاطف مع تونس، متحاملٍ على ليبيا حيث قال: “يعلم الجميع  أنّ ليبيا تزعزع النظام في المنطقة المغاربية، وأن تونس تدفع اليوم الثمن.. ليبيا تسقط الآن في أيدي التنظيم ونحن نتفرج.. وفرنسا لها مسؤولية مباشرة لأنها ساهمت في إسقاط نظام القذافي ولم تعمل على تركيز حكومة بديلة قوية”.
وبلا أدنى حرج، طالب المتحدّثُ القوى العظمى بالتدخّل مباشرة في ليبيا لحماية لتونس فقال: “على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤوليّته، على الجزائر أن تفعل شيئا ولكنّها لا ترغب في ذلك، مصر يمكن أن تساهم في الحلّ وهي مستعدّة… وعلى فرنسا أن تتحمّل مسؤوليتها لإصلاح الوضع في ليبيا حمايةً لتونس”.
 ومن عجائب الصدف قوله أيضا “إنّ تونس بحاجة ماسّة لتحصين حدودها من دخول السلاح والإرهابيين”. إذْ فوجئنا بعد أيّام قليلة من تصريحه بالإعلان عن البدء في تشييد جدار عازل على الحدود الفاصلة بين تونس وليبيا.. وكان مصدر الخبر قنوات فرنسيّة لم تغفل في تقاريرها الإشارة المعتادة إلى كون ليبيا تصدّر الإرهاب والسلاح والمسلّحين.
إنّ ما ذكرناه من معطيات وتحليلات تمثّل مقدّمات لا غنى عنها قبل الذهاب إلى الحرب. فجميع الحروب التي دارت رحاها في منطقتنا العربيّة سبقتها حملات إعلاميّة تنبّه إلى خطر داهم على البلدان المجاورة للبلد المستهدف. ويلاحظ أنّ تونس، باتت تُدفَع بقوّة إلى لعب دور الضحيّة، فتتبنّى مؤسّساتُها البحثيّةُ ما تروّجه الأبواق الفرنسيّة في وسائل إعلامها، وتخاطر ببناء جدار عازل لن يساهم في أمنها بقدر ما سيساهم في تعكير العلاقة بين شعبين شقيقين متعاونين على مرّ التاريخ.  ويأتي كلّ ذلك بعد أن منحت الولايات المتحدة بلادنا مرتبة “الشريك الرئيسي من خارج الحلف الأطلسي”… فهل سنصبح شركاء لأمريكا في جرائمها التي تشعل نار الفتن والحروب، لتعميم الخراب في كامل أرجاء الوطن العربيّ؟
لا أحد من أفراد الشعب التونسيّ يرغب في ذلك ويرضى به.. ولكنّ رئيس الجمهوريّة، قادر في كلّ لحظة على فتح الجبهات في اتجاه طرابلس. وقد فعلها سابقا في بداية الثورة الليبيّة حين كان رئيسا للحكومة، فسمح بمرور السلاح، وساهم في إسقاط نظام القذافي. وبنفس الأوامر القادمة من الدول العظمى، يساهم حاليّا في صناعة بديل للعقيد المعمّر في الحكم، بعد أن تغيّرت قواعد اللعبة في بلدان الربيع العربي، وتمكّن المستبدّون من العودة إلى مواقع السلطة، بواسطة الانقلاب في مصر والانتخاب في تونس. والحروب كفيلة بإتمام المهمّة في اليمن وسوريا. وقواعد الناتو، وحلفاء أمريكا على مقربة من ليبيا، حيث لم توقّع جميع أطراف النزاع على مسودة اتفاق السلم والمصالحة. وإذا تعذّر السلام، حلّت الحرب ضدّ (أعداء السلام). وفي هذا السياق، تتحدّث التقارير الإخباريّة (الملغومة) عن حكومة طرابلس بوصفهما الطرف الوحيد الذي رفض مسوّدة الصلح، والذي وجّه تحذيرا للسلطات التونسيّة بخصوص الجدار العازل بعد أن شرعت في بنائه على الحدود الفاصلة بين البلدين.. وقد وصفت وكالة فرانس براس حكومة طرابلس  بكونها “لا تحظى باعتراف دولي، وتساندها جماعات مسلّحة تحت مسمّى فجر ليبيا”، وكلّها مؤشرات تساهم في تحييدها لاستهدافها على قاعدة القول المأثور: “إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”!

__________________

*كاتب تونسي 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه