مغامرة التزحلق علي الجليد في جبال الألب

صلاح سليمان*

لم أفكر يوما في الذهاب إلى جبال الألب في فصل الشتاء ، فالثلوج تغطي قممها الشاهقة وتحول وديانها إلى ساحات عظيمة لتجمعات الثلوج ، ونظرة واحدة إلى كثافة الثلوج البيضاء المتساقطة ودرجات الحرارة المتدنية تقتلان أي فكرة  في المهد لقضاء أجازة ثلجية علي عكس الأوروبيين الذين يستمتعون بذلك ، فنحن أبناء البلاد الحارة نفتقد الثقافة الثلجية، وكيفية التعامل مع الجو البارد، وفي مصر علي سبيل المثال كنا نواجه برودة الجو بالالتحاف بالملابس الثقيلة أو بالالتفاف حول حلة” محشي”  ساخنه ، أو  إشعال نار الموقد أو غيره من أدوات تدفئه بدائية، لكن هنا في بلاد الثلج والجليد تختلف الثقافة البيئية اختلافا كبيرا، فيتم استقبال الثلوج بالفرح والسرور ويأتي السياح من محبي رياضة التزحلق علي الجليد إلي الألب من كل الدول الأوروبية.
استقبلت دعوة لمدة ثلاثة أيام في قرية بيرفانج النمساوية المشهورة بمنحدرات التزحلق علي الجليد في جبال الألب بشئ من التردد والخوف ، فأنا لست من مريدي هذه الرياضة، ولا تغريني هذه الهواية، بل ولا أملك حتي حساً لها، وليس عندي أدواتها التي بدونها لا يمكن أن تذهب إلى أماكن التزحلق علي الجليد، ورغم إقامتي الطويلة في ألمانيا لم أفكر يوما في امتلاكها ، ولم أهتم علي الإطلاق بشرائها، مع العلم أن ميونيخ لا تبعد عن جبال الألب إلا ساعة سفر بالسيارة ، لكن تشجيع بعض الأصدقاء الألمان المسافرين معي جعلني أشعر بالأمان، فهم من محترفي رياضة التزحلق علي الجليد وربما يساعدني ذلك لاحقا في أن أصبح من عشاقها !.
 تم حل مشكلة ملابس التزحلق علي الجليد فبإمكاني اقتراضها من الفندق، إذن الفضول والمغامرة شيئان مطلوبان في عالم الصحافة دائما، هكذا أقنعت نفسي وأنا في طريقي إلى القطار المتجه من ميونيخ إلى جارمش المدينة البافارية الواقعة في اقصي الجنوب علي الحدود مع النمسا  ومنها إلى بيرفانج ، وفي جارمش كانت البرودة شديدة ويمكن رؤية جبال الألب الشاهقة وقد اكتست بحلة بيضاء .
المنظر يبدو بالفعل خلاباً خاصة عندما تنعكس أشعة الشمس علي قمم الجبال فتحيطها بهالة بيضاء . بداية الثلاجة الألبية الفعلية بدأت من جارمش وبلغت ذروتها في بيرفانج، فالثلوج تنهمر بكثافة ، والسيارات تسير علي الطريق بصعوبة بالغة وببطء شديد، ولابد أن تكون السيارات معدة تماما ومجهزة للسير، وأن تكون إطاراتها سليمة ومن النوع المخصص للشتاء والثلوج .
كنا نري علي الطريق كل عدة كيلومترات سيارة جانحة أو أوتوبيس مائل ، والتحذيرات عبر راديو السيارة لا تتوقف .لا تبدو المشكلة في الطرق السريعة بل في بداية الدخول إلى شوارع القرى الألبية التي لا يمكن السير فيها بطريقة أفقية ثابتة بل نعلو تارة ونهبط أخرى، وفي كل مرة يضغط السائق علي الفرامل تبدأ السيارة في التزحلق ، لكن قائد السيارة لا تفاجئه مثل هذه الحالات ، ويقول لقد اعتدنا نحن سكان الجبال علي قهر الطبيعة والانتصار علي الثلوج وليس الخوف منها والاستسلام لها ، إننا نستطيع أن نتعامل مع الثلوح بشكل جيد.
 لم تكن الرؤية جيدة بسبب كثافة الثلوج ، لكننا أصبحنا علي وشك الوصول بعد أن مررنا بقرية بخيلباخ ،وفنجل ،ولاان ،وليرموس ، عندما لاح مدخل بيرفانج حيث مقر الفندق الذي يقع علي هضبة جبلية مرتفعة، ورغم كثافة الثلوج استطاع سائق السيارة بمهارة بالغة السير فوقها صاعدا حتي وصلنا إلى الفندق.
 إذن نحن الآن في قلب محطة بير فانج للتزحلق علي الجليد التي تقع تحديدا في منطقة التيرول في النمسا قرب الحدود مع ألمانيا ،أي حوالي 20 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة جارمش ، وهي تقع علي هضبة جبلية مرتفعة عن سطح الأرض بحوالي 1342 متر وتحيط بها قمم جبال شاهقة مثل هونج 2034 متر وبلاي شبيتسه 2235 وقمم أخرى عديدة تتنافس كلها في العلو والارتفاع .
 المنظر يبدو مذهلا، الجبال البيضاء تحيط بنا من الجهات الأربع ، المكان مزدحم بالسيارات التي غطتها الثلوج بالكامل ، يستقبلني صاحب الفندق لويس كايزر هوف وهو يقول أنهم في ذروة موسم الشتاء، فسياح رياضة التزحلق علي الجليد يأتون إلى المنطقة من داخل  ألمانيا ومن هولندا و سويسراو بلجيكا ولوكسمبورج ، أدركت للوهلة الأولي أن  الجميع جاء هنا  للتزحلق علي الجليد ، وأنا الوحيد الذي جاء للفرجه، لكن صاحب الفندق أدرك ذلك أيضا واقترح أن انضم إلى كورس تدريبي لمدة ساعتين ، لم تكن المشكلة في تقبلي للفكرة بل في عدم امتلاكي أدوات التزحلق علي الجليد فهي رياضة تكلف كثيرا وملابسها مرتفعة الثمن ويجب أن يرتدي الرياضي سترات خفيفة تقيه البرودة الشديدة ودرجات الحرارة المتدنية، ونظارة تحمي العين في حالة انعكاس الشمس علي الثلوج البيضاء،إضافة إلى ثمن تذكرة استخدام المكان والتي إما أن تكون يومية أو نصف يومية إضافة إلي إيجار الفندق الذي قد تصل ليلة المبيت فيه في ذروة الموسم إلى 134 يورو في اليوم الواحد.
 في بارفنج مدرسة يتعلم فيها الصغار التزحلق علي الجليد ، وأرخص دورة هي ستة أيام وسعرها  يصل إلى 188 يورو .عدد سكان  القرية 500 فرد يعملون جميعهم في السياحة ،أما الفندق الذي نقيم فيه فقد احتل مساحة كبيرة من  الأرض وبه 300 غرفه ومزود بكل وسائل راحة سياح الثلوج  ويمكن فيه شراء أو تأجير معدات التزحلق ، وبه أيضاً صالة كبيرة للتدريبات الرياضية، وحمامات السباحة وكل وسائل الإعاشة التي تضمن رحلة رائعة فردية أو عائلية.
 في صبيحة اليوم الثاني استعرت أدوات التزحلق علي الجليد من الفندق وسط تشجيع كل مرافقي الرحلة وهم أساسا من محترفي هذه الرياضة ، لكن كل ما كنت اطلبه هو صورة فقط بتلك الملابس التي تشبه ملابس رواد الفضاء فوق الثلوج ، ومع التشجيع علي المحاولة وخوض المغامرة ، ورغم الإصغاء الشديد للشرح وخاصة محاولة الفرملة بضم القدمين إلى الداخل إلا أنني وبعد أن توكلت علي الله وشرعت في  إظهار شجاعتي انطلقت للتزحلق ، وما أن تخطيت المتر الأول بسلام لم أشعر بعدها بشئ غير أن رأسي أصبحت مكان قدمي!. وعند هذه الحالة انتهت إلى الأبد رحلة مغامرة التزحلق علي الجليد .
 الغريب أن كل محبي هذه الرياضة يشعرون بسعادة غامرة رغم الثلاجة التي عليهم البقاء فيها طوال اليوم ، وعلي المرء الذي يمارس هذه الهواية أن يتناول علي فترات مشروبات ساخنة ، وكما قال لي الدكتور شفارتز احد المرافقين في الرحلة إن هذه الرياضة ورياضة السير في الجبال تضيف إلى العمر علي الأقل 7 سنوات إضافية
 سألته  هل  أهل الجبال يعمرون في السن عن أهل المدن ؟
فأجاب ليس بالضرورة  لكن نظافة الهواء في الجبال والرياضة تضيفان دائما للعمر ولا تنقصان منه .
___________________ 

*صحفي مصري مقيم في ألمانيا 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه