مغالطات محمود حسين حول خلافات الإخوان

كتبت ذلك ليعلم الإخوان في كل مكان حقيقة الأمور، التي سكتنا عنها طوال هذه المدة.

 

لا أدري هل ما يقوم به الدكتور محمود حسين – أمين عام جماعة الإخوان الأسبق – من تصريحات كلما هدأت النزاعات بين الإخوان، هل يقوم بها عن عمد، أم يُجر لها جرًا، فقد صرح مؤخرا في موقع عربي 21 وعلى قناة الجزيرة مباشر، بأنه لا يوجد خلاف داخل الجماعة، وأن من خالف ليس من الإخوان، وما هي إلا مجموعات قليلة هنا وهناك (هكذا باحتقار بالغ للمختلفين معه) وكلامه عن لجنة علماء قامت بالسعي لإنهاء الخلاف، وأنها قامت من نفسها دون تكليف من الجماعة.

وللأسف انطوى كلامه على مغالطات كبيرة، لا يسع مثلي السكوت عليها، لأني كنت طرفا في كثير منها، وشاهدا على أحداثها، وسامح الله العلماء الذين أخبرتهم وقتها أن علينا أن نعلن بما حدث، فهؤلاء الذين عرقلوا جهدنا، وعلى رأسهم محمود حسين نفسه وبعض ممن معه، سيصمتون الآن، ثم في لحظة ما سيقولون ما يريدون على غير الحقيقة. وأجدني مضطرا لذكر هذه التفاصيل ليعلم القاصي والداني من كان يرجو رأب الصدع، ولم شمل الجماعة، ومن أراد ويريد تفرقها إلا أن تجتمع عليه وحده ومن معه، ضاربا بكل مصالحها عرض الحائط، رافعا شعار: أنا ولتخرب الجماعة.

منذ سنتين تقريبا، فكر مجموعة من أهل العلم في الإخوان، أن يكون لنا دور في إنهاء الخلاف بين الطرفين، واجتمعنا من أكثر من بلد، وجلسنا ووضعنا الخطة العملية لذلك، وقلنا: نحن – أهل العلم – لسنا طرفا في الخلاف، فلنكن الطرف الأهم في الحل، وكان ذلك طبعا بعد رفض مجموعة دكتور محمود حسين مبادرة الشيخ الإمام القرضاوي والعلامة أحمد الريسوني، والأخ المجاهد خالد مشعل، والعلماء معهم، وقبلها رفضوا مبادرة تحالف دعم الشرعية التي قام بها د. عطية عدلان، والمهندس محمود فتحي، ورفضوا كذلك مبادرة النواب التي جلس نواب مصر من الإخوان ثلاثة أشهر وكتبوا مئات الصفحات ومحاضر جلسات بعد الاستماع للطرفين، ثم أعلنوها فرفضها محمود حسين ومن معه، وكذلك رفضوا مبادرة من الشيخ العلامة محمد الحسن الددو والشيخ سالم الشيخي، ومبادرة المكاتب الإدارية العشرة داخل مصر، ومحاولات أخرى كثيرة لم يعلن عنها، كل هذا رفضه محمود حسين وفريقه.

مبادرة مني

فتنادت هذه المجموعة من العلماء واجتمعت ساعات طويلة أكثر من يوم، ووضعنا تصورا ممتازا، تضمن حلا عمليا للأزمة ، وتعهدت بمبادرة مني بأني سأتوقف عن أي رد على أي نقاش في الإخوان، أو كتابة نقدية عن الإخوان، أو مداخلات إعلامية، ويشهد الجميع بالتزامي وقتها، وسعى الدكتور جمال عبد الستار بما اتفق عليه العلماء نحو لم الشمل وحل الأزمة، وقابل دكتور جمال أول المشايخ في ماليزيا، ودار بينهما حوار طويل، وبعد ساعات قليلة من لقائهما فوجئ بأن كل تفاصيل اللقاء والموضوع وصل لمحمود حسين، ولم يكن مع د.جمال عبد الستار والداعية الإخواني الذي قابله أحد، كانا وحدهما في غرفة واحدة!! وفوجئنا بتحرك مضاد من التنظيم من مجموعة محمود حسين، فتوقف العمل والجهد.

وبعدها بشهور قليلة فوجئنا بأن جبهة محمود حسين قد شكلت هيئة سميت هيئة علماء الإخوان استبعد من عضويتها كل من له رأي مستقل، أو موقف من طريقة إدارة الجماعة وجمعوا بقية المشايخ والتقوا أكثر من مرة وكانوا يأتون إسطنبول دون سلام لنا أو لقاء معنا، رغم أننا نتصل بأفرادهم ونسأل عنهم في أي مكان نحل به وهم فيه، وكنا نعلم بوجودهم فقام بعضنا بزيارتهم بأداء واجب الزيارة لهم، دون تدخل منا فيما يقومون به رغم علمنا به. وبعد عدة لقاءات لهم، قرروا أن يدعوننا للقائهم، وكان ذلك في نهاية شهر نوفمبر 2016م، وفوجئت باتصال على هاتفي وكنت أربط حزام المقعد في الطائرة، فإذ بأخ كريم قادم من السعودية يتصل بي، ويقول: نرغب في لقائك ومعنا بعض إخوانك، قلت له: أنا في الطائرة على سفر، فقال مازحا: وده عيب منا ولا منك يا مولانا، قالها ليتجنب لومي وعتابي له وقتها، فقلت له: عيبي أنا فعلا، فأنا قدمت إليكم من بلاد بعيدة إلى بلد أنتم فيها، ولم ترفعوا سماعة الهاتف لتسلموا على إخوانكم، وكأن رابطة التنظيم أكبر من رابطة الدعوة والدين، عموما لا مجال للعتاب، تفضل، فقال: نريدك أن تقنع إخوانك من العلماء بالحضور، فقلت: سأفعل إن شاء الله، ومستعد لمداخلة بالهاتف.

دعت مجموعة مشايخ محمود حسين بقية الإخوة العلماء في اسطنبول ممن يعارضونه، أو يصنفون على أنهم معارضة، وطلب هؤلاء الإخوة العلماء مشورتي، كما طلبوا مشورة غيري، فقلت لهم: أنا أعرف حيل التنظيميين وحيل مشايخ التنظيم، نصيحتي لكم بالحضور، لأن رفض الحضور سيصور على أنه رفض لفكرة المصالحة وسيقال للصف الإخواني: دعوناهم للمصالحة والعمل فرفضوا! ومن سيحضر كلهم أهل علم، نثق في دينهم وخلقهم، بعضهم سمع عنا كلاما، ولم يسمع للحقائق التي لدينا، اعرضوا الحقائق التي رأينا بكل إنصاف، ولا تطيلوا فيها، ولا تهتموا بالإدانة للمخطئ، واطرحوا مشروعنا للمصالحة الذي توصلنا إليه في مبادرة العلماء السابقة، وكلنا ثقة في أن وازعهم الديني سيكون هو الحكم.

وفعلا وافق علماء إخوان اسطنبول على الحضور مع من قدموا من الخارج، وكان العدد ما يقارب الـ (18) أربعة أو خمسة ممن يصنفون على المعارضة لمجموعة محمود حسين، يعني أي تصويت المفترض أنه ضدنا، لكننا لم نأخذ الأمر بهذه الحساسية، وتناقش الحضور بوعي وتجرد وقلوب مفتوحة، وكانت لنا شروط أهمها: ألا يكون اللقاء تحت إشراف رابطة الإخوان المسلمين، لأننا لا نعترف بهم لانتهاء ولايتهم منذ عام 2014م، ونراهم سببا في خلافات الجماعة، بل استخدموا كل قنوات الجماعة التنظيمية لتوظيفه لصالح طرف ضد طرف.

واتصلت بالهاتف بهم في اجتماعهم، وقلت في مداخلتي لهم بعد السلام والتحية والدعوات: لن ندخل اللقاء بأجندة مسبقة، بل لا أجندات أصلا، الأجندة الوحيدة المقبولة، هي: توحد الجماعة، ومصلحة الثورة وإسقاط الانقلاب، فكل ما يؤدي إلى ذلك فنحن خدم له.

وكانت جبهة حسين قد كلفت هيئة العلماء بحل مشكلة تركيا فقلنا لهم لا بد من حل المشكلة بجملتها ولا مانع أن نبدأ باسطنبول لإنهاء الخلافات فيها، في إطار تصور واضح ومحدد لحل الخلاف التنظيمي بجملته، ونكمل ببقية الأقطار، وصولا لانتخابات قيادة جديدة، وهذه فريضة الشورى التي يجب أن تُفعل ولا تغيب، وهو حق للصف الذي يجب الاحتكام إليه عند اختلاف من هذا النوع، وبخاصة بعد انتهاء مدة الولاية من سنة 2014، وكلنا أمل أن يكون الحل شاملا وكليا وليس جزئيا.

الروح الإيجابية

وأكمل الإخوة العلماء لقاءهم، وفعلا كانت الروح إيجابية جدا، وتم التصويت على المشروع الذي طرحناه، فنال موافقة الغالبية العظمى من الحضور، فأصبح الأمر شورى ملزمة، واستقر الأمر على ترشيح أربعة علماء سيتواصلون مع الطرفين في الإخوان لإنهاء الخلاف، وهم: الشيخ عبد الخالق الشريف، ود. إسماعيل علي، ود. منير جمعة، ود. حاتم عبد العظيم. وحُدد منير جمعة للاتصال بمحمود حسين، وفوجئنا بشيخنا عبد الخالق ينسحب ويعتذر عن المهمة، لإيمانه بأنه لا يوجد خلاف وأن القيادة واحدة، ومن اختلف معها فقد خرج عنها، كما صرح بذلك في الاجتماع، ورفض كلامه وقتها د. منير جمعة!

فقلنا للجنة أن تكمل مهمتها، فاتصل منير جمعة بمحمود حسين، وكان حوارا متعاليا للأسف من الأخ محمود حسين، وبفوقية لا تقبل مع علماء، وأن اللجنة قد تجاوزت صلاحيتها، وليس مسموحا لها بالتدخل في مثل هذه القضايا وحسبها أن تبحث ما تكلف به فقط، وقال له: لا توجد خلافات داخل الجماعة أصلا، فقال له منير جمعة: نزيل الشحناء التي في النفوس، فقال محمود حسين: لا توجد شحناء بين الإخوان، ورفض استقبال لجنة العلماء! في حين جاء رد مكتب الخارج حينها بالترحيب باستقبال لجنة العلماء والموافقة على كل ما توصلت له الهيئة أيا كانت تفاصيله والاستعداد لتنفيذه فورا.

كان رأي كثير أن ننشر تفاصيل ذلك، ونوضح للناس، ولعموم الإخوان دور الدكتور محمود حسين في تفتيت الصف الإخواني، ووأد أي محاولة للم الشمل والإصرار على عرقلة مسيرة جماعة عظيمة في أن تقوم بدورها لاستخلاص المعذبين والمعتقلين والمحكومين بالإعدام، وإصراره على عدم الحل، سواء كان يمثل برأيه نفسه، أم يمثل فصيله. ولكن رأى بعض الإخوة العلماء عدم نشر ذلك لتأثيره السلبي على الصف وعلى المعتقلين وأهاليهم.

وبعدها حدث في مصر إعلان عن المكتب العام، وانتخابات في مصر، وخرج دكتور مجدي شلش وعلق عليها، وكتب د. وصفي أبو زيد عنها على الفيس بوك بتأييد الإجراء، لأنه لا جدوى من محاولات الإصلاح والمبادرات التي يرفضها محمود حسين ومن معه، وكذلك علق الشيخ عبد الخالق في قناة وطن وكتب د. رجب أبو مليح على الفيس بوك بالرفض ولكن بسخرية، ثم فوجئنا برسالة ترسل من المسؤولين عن ترتيب اللقاء تفيد بأن المخالفين لمحمود حسين من العلماء ليسوا مدعوين للقاء القادم للهيئة والذي كان مقررا له أول فبراير، وأنهم لم يعودوا أعضاء بالهيئة، فأرسلت رسالة لهم، بأنه إذا أردتم الحساب فليحاسب الجميع، وإذا أردتم التجاوز فليكن عن الجميع، فمن الفريقين من خرج للإعلام وتكلم عليه وعلى صفحته!

ثم فوجئنا في شهر يناير 2017م باجتماعهم دوننا، بحضور من يرضى عنهم مسؤولو رابطة الإخوان، ولما بلغني خبر اجتماعهم، اتصلت بهم، وقلت لهم بوضوح: أي اجتماع، أو تناقش فيما يخص موضوع نقاشنا في إسطنبول، أو نزول بريد لعموم الإخوان دون عرضه علينا، فسوف أخرج للإعلام وأحكي كل ما حدث مع ذكر أسماء من شاركوا بالتفصيل، فاضطرهم هذا الكلام مني، لتأخير الإجراء، وربما التغاضي عنه هذه الفترة، ولكنهم عقدوه سرا بعد ذلك أكثر من مرة، إحداها في ماليزيا في شهر يناير 2018م.

قضية الإعفاء من التنظيم:

أما ما أشاعوه من أن من خالفوهم قد فصلوا، أو حسب عبارتهم الكاذبة وقتها: أن هؤلاء قد قاموا بإعفاء أنفسهم من التنظيم، وهو كلام كذب، وللأسف خرج منهم في شهر رمضان، وكان البعض ينشره في معتكفات العشر الأواخر في المساجد، لم يجدوا ما يتقربون به لله، إلا الكذب على إخوانهم، وزادوا على ذلك أننا نريد تحويل الجماعة لحزب سياسي كما فعلت النهضة في تونس، وفق ما جاء في البريد الكاذب الذي نزلوه لصفوف الإخوان في مصر، وكان فيه تحذير شديد منا وكأننا خرجنا عن الدين!! وكل هذا في رمضان الذي يعتبر الفقهاء الكاذب فيه صومه قد حبط أجره، ويرى آخرون أن أجره وصومه قد بطل وعليه الإعادة، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه” وهم والحمد لله قد قالوا الزور، وعملوا به، وكلفوا غيرهم بالعمل، نسأل الله لنا ولهم الهداية والمغفرة.

 فهلا أخرج لنا محمود حسين طلب الإعفاء الذي قدمنا؟! وهل هناك إعفاء بدون طلب من صاحبه؟ وهل يبعد إنسان من الجماعة بدون تحقيق؟ كما حدث مع وجوه كبيرة وكفاءات ممتازة في الجماعة تم تجميدها ثم إبعادها، ثم بعد ذلك نرجو نصرا من الله على مستبد طاغية ويفعل بعضنا ببعض ذلك.

إن هناك في هذا الملف الكثير والكثير الذي يعرّض هؤلاء للمساءلة والمحاسبة الذين يخرجون للإعلام بصفات باطلة؛ إذ انتهت ولاية هذه القيادات منذ عام 2014، ودخلت مدة أخرى بحلول عام 2018م وهم مصرون على البقاء في مناصبهم دون انتخابات، وهذا يخلع عنهم صفة الشرعية ولا يوجب لهم سمعا ولا طاعة، لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية التنظيمية..

كتبت ذلك ليعلم الإخوان في كل مكان حقيقة الأمور، التي سكتنا عنها طوال هذه المدة، وليقوم الجميع بواجبه لإنقاذ تاريخ عظيم يوشك أن تقضي عليه مجموعة متحكمة بغير حق، وتقوم بتعطيل الطاقات، وإبعاد الكفاءات، وهذا كله يطيل أمد الانقلاب، ويضاعف معاناة إخواننا في سجون الطغاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه