معضلة الاصطفاف الوطني

أحمد قناوي*

لا أظن أنه يمكن أن تتوافر شروط للاصطفاف الوطني أكثر من تلك الموجودة الآن، فما كان احتمالاً أصبح مؤكدًا، فلم يقتصر أمر القمع بأشكاله المختلفة على فصيل سياسي واحد فالأمر طال الجميع، الإخوان وخصوم الإخوان، من أيَّد محمد مرسي ومن عارضه وخرج عليه، من يعتقد العلمانية أو الإسلامية، فالأمر الوحيد أن القمع أعمى لا يفرق، رغم كل ذلك فإنه تبقى هناك معضلة أو معضلات أمام الاصطفاف الوطني.
على سبيل المثال فإن الإخوان لا يفهمون دلالة الأرقام، أو يحاولون التعالي على فهمها وفهم الدلالات التي تمنحها، الانتخابات الرئاسية الأولى حصل فيها د. محمد مرسي على ما يقرب من 5 ملايين صوت انتخابي وفي الجولة الثانية حصل على ما يقرب من 13 مليون صوت انتخابي، الملايين الثمانية هي الكتلة الحرجة في التصويت فهي (أولاً) من صلب الصف الثوري (وثانيًا) هي من منحت أصوات للدكتور محمد مرسي (مضطرة) وهو الفصيل الذي انتظر الحصول علي مكافأة عامة لم يحصل عليها، حين بدَّد الرئيس في ذلك الوقت اتفاق فندق فورمينت، وتقديري أن 90% من هذا الجمهور المضطر أو أكثر ربما خرج في 30 يونيو ضد الرئيس محمد مرسي، هذه حقيقة يحاول الإخوان تجاهلها، وهم على جملتهم أنقى الفصائل الثورية، فهم رغم اختلافهم بالنقيض مع جماعة الإخوان منحوا أصواتهم للدكتور مرسي، وهم رغم اختلافهم أيضًا بالنقيض مع الإخوان لم يقطعوا شوط 30 يونيو للنهاية اختلفوا مع مجرد فكرة ترشح السيسي للرئاسة، وأعلنوا أكثر من مرة رفضهم للقمع الذي يتعرض له الإخوان.
المعضلة أن صلب ثورة يناير هم هؤلاء الملايين الثمانية، تركوا تأييد السيسي وأعلنوا رفضهم له ودفعوا ثمنًا لذلك رغم أنهم لم يجربوا يومًا الجلوس على مقعد السلطة ولا حتى يسعون إليه، وحين عادوا معارضين للسيسي لصالح ثورة يناير وجدوا أن شعار الإخوان الرئيس (الشرعية) وعودة الدكتور مرسي، لم يناضل هؤلاء كي يكون السيسي رئيسًا وأيضًا لن يناضلوا ليعود الدكتور مرسي الذي خرجوا هم أيضًا عليه، وإذا سألت أحدهم ما هي الفترة الأفضل فترة حكم الدكتور مرسي أم هذه الفترة سيرد بلا تردد قطعًا الدكتور مرسي، لكن قضيته من الدكتور مرسي كانت قد حسمت مثلما حسمت قضيته مع السيسي.
كانت معضلة الإخوان دائمًا شرنقة التنظيم بما يمنحه من خصوصية وانغلاق ومن ثم تعالي وفقدان ثقة في الآخر، وتبين أن ذلك قد يكون جيدًا حين يكون التنظيم معارضًا لكنه غير كافٍ إذا تبوأ التنظيم حكمًا أو إذا كانت لديه قضية تحتاج شعبًا لا تنظيمًا، وحين حدثت 3/ 7 وتبعاتها كان الشعار الرئيس عودة الدكتور محمد مرسي، الثمانية ملايين ليسوا مع هذا الشعار لأن جلهم خرج في 30 يونيو فعلاً ضد الدكتور محمد مرسي ومن ثم رأت هذه الملايين أن هذا شعار يخص الإخوان وأن هذه معركة تخص الإخوان، سيرد علي ذلك أن المسألة ليست مرسي ولكنها الشرعية ناسين أن هذه الملايين خرجت ضد هذه الشرعية أصلاً وأن تعرضها بعد ذلك للخديعة ليس معناها الهتاف بشعار كانوا يرفعون ضده منذ فترة قصيرة، وبالتالي انعزلت تلك الملايين تراقب وتتعاطف ضد قمع الإخوان والتنكيل بهم دون أن يتبلور ذلك في شعار سياسي جامع، ففريق الإخوان تشرنق حول شرعية الدكتور محمد مرسي دون أن يغادرها وفريق الملايين الثمانية له حسابات مختلفة يناير وفقط وظلت هذه المسافة موجودة طوال حراك الإخوان يعلو وينخفض والشعار والصور تجسد الشخص لا القضية، استطاع الاستبداد في هذه الفترة وحتى الآن تناول الجميع، وتجمع الإخوان مع شباب يناير رغم تباين المواقف في قفص اتهام واحد في قضية إهانة القضاء.
عودة مرسي مع الاحترام الكامل له ولشخصه شعار أصبح مفرقًا للخط الثوري الذي يعرفه شباب يناير، واستمرار الإصرار عليه تحت دعوى رفض الجيل النشط في الإخوان إلى استبداله سيمكن الاستبداد أكثر وسيمكن التنكيل أكبر مما هو عليه الآن، ولا يوجد شك أن إخفاقات الأداء العام الآن وتدنيه إلى مستويات غير مسبوقة ربما هو الدعم الذي يتلقاه تنظيم الإخوان لكن في كل الأحوال غير كافٍ بمفرده، ما لم تكن هناك رغبة حقيقة في قضايا جامعة لا خلاف عليها فإن الأوضاع ستستمر على ما هي عليه الآن، ومن ثم ليس مطلوبًا من فصيل خرج ضد مرسي أن يتحول فجأة ويطالب بعودته رئيسًا، ولن تكون إعلانات بعض قيادات الإخوان عن عودة مؤقتة أو رمزية للدكتور مرسي كفيلة بتوحيد القوى المتنوعة والمختلفة، هناك مساحات من المآسي بين فريقين وأن إزاحة تلك المآسي جانبًا لن يتم إلا بأمرين (الأول) استبدال الشخص بالقضية (الثاني) تأكيد العمل وفق هدف الدولة المدنية دون لبس أو مواربة، كل ذلك يأتي بقرارات واضحة لا لبس فيها ولا غموض.
وإذا كان فريق الاستبداد يرى في التقارب مع الإخوان مخاطر فإن في الإخوان أيضًا من يرى في التقارب مخاطر، ويصور الأمر كما لو أن هذا الوطن حكرًا على أهل السلطة أو على الإخوان، فيبادر بحملة سباب مع أسماء وشخصيات كانت رموز لـ 30/ 6 لكنها أدركت سريعًا أن هذا طريق خطأ، وأن الاستمرار على هذا الموقف يخالف ضمير وقناعات أصحابها، فإذا أعلن أحد منهم موقفًا جيدًا واجه عاصفة من السباب من أهل السلطة ومن الإخوان وحواريهم بلال فضل مثالاً، علاء الأسواني مثالاً آخر، باسم يوسف ويسري فوده وريم ماجد وعلاء عبد الفتاح وأحمد ماهر و6 أبريل أمثلة أخرى، وكان هناك توافق بين أهل السلطة وجماعة الإخوان وحواريهم على سب هؤلاء وقذف هؤلاء والتعريض بهم حتى ولو كان البعض منهم داخل السجون متناسين تمامًا أن الاستبداد لم ينجح بالقمع بل بشق الصف، ولا يتورع واحد منهم سواء في القمة بالإصرار على بقاء عودة الدكتور مرسي بإعلانه رفض هذا المنهج أو في القاعدة بحملة السباب ضد العديد من الأشخاص لتصيغ رسالة سلبية في النهاية ثمارها مزيد من الانقسام مزيد من القمع.
من يرفض الوحدة، ومن يعرقلها، ومن يجتر تاريخ (أنتم السبب) ومن يضع شعارات تالية لـ 25 يناير.. كل هؤلاء أنصار الاستبداد حتى لو أريقت دماؤهم في الشوارع واكتظت بهم السجون

___________________

*كاتب مصري ومحام بالنقض

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه