مصر وأزمتها.. وأم حسن وسلامتها

صورة أرشيفية

المشهد المصري على مسرح الحياة: مظاهرات في الشارع بسبب إقرار اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.. اعتقالات بالجملة، واعتداءات على المتظاهرين.. اشتباكات داخل البرلمان أثناء مناقشة الاتفاقية.. استقالة نواب.. اقتحام نقابة الصحفيين للمرة الثانية.. الاعتداء على رموز سياسية في الشارع.. الحكم بإعدام 31 شخصًا في قضية اغتيال النائب العام.. تفجير كمين شرطة في المعادي ومقتل ضابطين وإصابة جنود.

فجأة تدور خشبة المسرح ليحتكر مشهد واحد الجانب الآخر من الخشبة ويفرض نفسه على الجمهور، تظهر فيه معركة داخل مطعم أم حسن، أطرافها “زبونات” منتقبات وأسرة من رجل وامرأة وطفلين، وربما بعض العاملين، والمشهد مدعوم بموسيقى تصويرية “ونقاباه.. واإسلاماه.. دافعوا عن دينكم!!”، وبدأت حروب تبادل الاتهامات بين المتدينين والمتعقلين والمتطرفين والعلمانيين والمدنيين، واختلفت الروايات وتعدد الحكي وتباينت الفتاوى.. واختفت تمامًا مشاهد انهيار الوطن أمام هذه الحرب المقدسة.

في زمن الذئاب

بالأمس غير البعيد تحرش شباب ببنات في الشارع، وخرجت أصوات تبرر ما حدث بأن البنات كن متبرجات، وتعالت الهتافات “الحجاب في زمن الذئاب يا أختاه”، وعندما قام البعض بتفسير ما حدث تفسيرًا اجتماعياً بأنه انعكاس للجهل والفقر وليس له علاقة بالحجاب، قامت حرب شعواء عليهم بوصفهم علمانيين داعين للانحراف والرذيلة.

وأمس، وفى حادث أم حسن تحول الموضوع لدى فريق إلى أنه حرب على النقاب والإسلام، ودعوة للسفور وتشجيع الفجور، وعند فريق آخر إٍلى فرصة للدعاية السلبية ضد المنتقبات والمحجبات بوصف الحجاب أو النقاب مظهرًا يخفي مضمونًا فاسدًا ومحتوى فارغًا.

وتناسى الجميع أن العامل المشترك بين المجتمعات الآمنة من التحرشات والنزاعات ذات المظهر الطائفي، هو الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وينطبق هذا على مجتمعات مسلمة ملتزمة بالمظهر الإسلامي في الملبس، ومجتمعات غير مسلمة ليس لها علاقة بمظاهر الزي الإسلامي.. وفي هذه المجتمعات تحديدًا نلاحظ حالة من الاستواء في المجتمع سواء في الثقافة أو التعليم أو الصحة أو الديمقراطية أو مستوى دخل الفرد.

الشاهد أن تعاظم هذه المشاهد وما يستتبعها من تفسيرات طائفية لا تظهر بوضوح إلا في المجتمعات التي ترزح تحت حكم فاسد أو خائن أو فاشل.

وللأسف، فإن الارتكان إلى هذه السلوكيات والتفاعل مع هذه المشاهد ليس مصدره النظام الحاكم المستفيد منها، وإنما مرجعية معظمها يعود إلى حالة التخلف الثقافي والحضاري التي تقدم الصراعات والمكائد الطائفية والعقائدية على مصالح الوطن والمجتمع، وهي حالة مثالية بالنسبة للأنظمة الفاسدة والخائنة، تُذْكيها وتشعلها وتنميها.

أكبر خيانة

 في الوقت الذي يشهد فيه المجتمع المصري حالة شحن وطني تجاه أكبر عملية خيانة في تاريخ الوطن، وبدء ترسيخ مبدأ بيع أراضٍ مصرية، والتنازل عن السيادة على أرضي الوطن لدول أخرى، والتشريع لتحويل مصر من دولة قائدة للدول المحيطة إلى دولة متقزمة تابعة تعيش على المنح والعطايا يقودها عصبة من الخونة والسماسرة والنخاسين.

وفي الوقت الذي يشهد فيه الوطن مؤامرات متعمدة للنيل من استقراره وإثارة الفزع والهلع بعمليات إرهابية مشبوهة، بهدف دفع المجتمع لقبول نظام الحكم الفاسد المستبد، بدعوى حمايته من الإرهاب والحفاظ على الاستقرار.

فى الوقت الذي ينتشر في الوطن المرض والفقر والجوع والجهل، ويعيش أبناؤه حالة فقدان أمل غير مسبوقة، الفقر والظلم والاستبداد من أمامهم، والسجون والتعذيب والتشريد والمطاردات من خلفهم إذا ما تجرأوا ورفضوا هذا الواقع المظلم.

في الوقت الذى يُعتقل فيه المعارضون ويُسحلون في الشوارع، وتُنتهك أعراض النساء وحرمات المنازل، وتدجن النقابات والأحزاب السياسية، ويتحول الإعلام إلى فرق من الغلمان الخلعاء القوادين، تزف الخائن وتروج لتفتيت الوطن وبيع أراضيه.

في ظل كل هذا تشعلون المعارك في داخل معسكر المظلومين المنتهكين الجوعى المرضى حول النقاب والحجاب والعلمانيين والملتزمين.. ارحمونا يرحكم الله.. لا مستقبل لعقيدة، ولا فرصة للإيمان، ولا قيمة للمبدأ في مجتمع أسير الظلم والفقر والجهل والخيانة.. الحرية والعدالة الاجتماعية أولاً.ٍ

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه