مصر: إدارة الملف الحقوقى بين التسييس والتشرذم

تعد مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري هي الأخطر والأصعب فى إدارة الملف الحقوقي؛ لأنها أسوأ فترات ما بعد ثورة يناير من حيث كم الانتهاكات الحقوقية.

د. عصام عبد الشافي*

شهدت مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى اليوم آلاف الانتهاكات الحقوقية، بداية من السب والقذف مروراً بالاختطاف القسري والاعتداء الجسدي والجنسي والاعتقال والتهجير والتشريد وصولاً إلى القتل والحرق. هذه الانتهاكات التي أفرزت مئات الآلاف من الحالات التي تضررت جرائها، إلا أنه على الرغم من هذا الكم من الانتهاكات والحالات فإن إدارة هذا الملف، داخلياً وخارجياً، قد شهد العديد من السلبيات والتحديات، وإن كانت هذه التحديات قد اختلفت باختلاف المراحل والتطورات التي مرت بها الثورة المصرية سواء خلال مرحلة حكم المجلس العسكري الأولي (من 11 فبراير 2011 إلى 30 يونيو 2012)، أو خلال العام الأول من حكم الرئيس محمد مرسي (من 1 يوليو 2012 إلى 2 يوليو 2013)، أو في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري منذ 3 يوليو 2013، وحتى الآن.
وتمثل مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري هي الأخطر والأصعب فى إدارة هذا الملف؛ الأخطر: لأنها أسوأ فترات ما بعد ثورة يناير من حيث كم الانتهاكات الحقوقية. والأصعب استناداً لحجم التحديات التي يواجهها القائمون على إدارة هذا الملف، ميدانياً وسياسياً وقانونياً وتمويلياً وإعلامياً.
أولاً: الصعوبات والتحديات:
تعددت التحديات التي عانت منها إدارة الملف الحقوقي في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري، ومن بين أهم هذه التحديات:
1ـ القصور في عدد من القائمين على إدارة هذا الملف ويتصدرون المشهد الحقوقي، لأن بعضهم يفشل في إدارة بعض المواقف الجزئية والمحدودة، فكيف نتوقع منه أن يدير قضية بهذا الحجم وملف بهذه الخطورة.
2ـ الإدارة بالحماس: بمعني الاعتماد في إدارة هذا الملف على عدد من المتحمسين للقضية، والمتأثرين بالانتهاكات الحقوقية، وهذا وإن لم يكن في ذاته عيباً إلا أنه يصبح تحدياً عند عدم توفر الخبراء والمتخصصين بجانب المتحمسين، حتى لو تطلب الأمر تكليف عدد من المكاتب الحقوقية وبيوت الخبرة الاستشارية، للإدارة والتنسيق أو للتدريب والتأهيل.
3ـ التشرذم والتفتيت وبالتالي ضياع الجهود بسبب غياب التنسيق تارة، وتشويه الآخرين العاملين في هذا الملف تارة ثانية، ونقص الخبرات في إدارة العمل الجماعي والتنظيمي تارة ثالثة.
4ـ التسييس: حيث اتجاه معظم إن لم يكن كل التيارات السياسية إلى تسييس القضايا والملفات الحقوقية، بمعني أن كل تيار يهتم بالدفاع عن المنتمين إليه فقط، وتجاهل من تعرضوا لانتهاك حقوقهم من تيارات أخري، بل ولجوء البعض للشماتة في التيارات الأخري عند تعرضها للاعتداء والانتهاك.
5ـ المبالغات الإعلامية من جانب بعض الناشطين السياسيين أو المعنيين بالملف الحقوقي، في تناول بعض القضايا أو الأحداث أو المواقف أو الزيارات، وما سيحدث لبعض الشخصيات الفاعلة في الانقلاب العسكري حال سفرهم للخارج، والتبشير بعظيم الويل والثبور، وأنهم في انتظار القبض والاعتقال وأحياناً الإعدام، وهو ما يرفع سقف توقعات المواطنين والثائرين في الميادين، ثم تأتي النتائج عكسية حال فشل المبشرين في تحقيق ما بشروا به.
6ـ العشوائية في إدارة كثير من قضايا الملف الحقوقي، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وتعظي الاهتمام بحالات فردية، اهتماماً مؤقتاً، ثم تراجع هذا الاهتمام مع بروز حالات أخري، أكثر إلحاحاً من الناحية الإعلامية، على الرغم من معرفة معظم العاملين في هذا الملف أن إدارته تتطلب خطط واضحة لسنوات وليس أسابيع أو شهور حتى يمكن الوصول إلى نتيجة واضحة وأحكام قاطعة.
7ـ الشخصنة: حيث ظهور بعض ضعيفي النفوس ممن يتاجرون بهذه القضايا سواء من أجل مكاسب شخصية أو من أجل الاستعراض الإعلامي (الشو)، دون تقدير حقيقي لخطورة الملفات التي يتصدون لإدارتها، ودون إدراك حقيقي لطبيعة الأضرار والأخطار التي يمكن أن تترتب على ما يقومون به من ممارسات.
8ـ الإكراه المادي والمعنوي الذي يتعرض له الضحايا وأهاليهم من جانب الأجهزة الأمنية، بما يحول دون رفع دعاوي قضائية أو الاستمرار في بعض الدعاوي التي تم رفعها بالفعل، وهو ما يحول دون التحرك الجاد في الكثير من الملفات.
9ـ الاختراق الأمني لعدد من القائمين على الملف الحقوقي (شخصيات أو جمعيات أو منظمات) وبث تقارير مغلوطة تنال من مصداقيتهم وبالتالي تشويه صورتهم.
10ـ الضغوط السياسية التي تخضع لها المنظمات والهيئات والجهات الحقوقية والقانونية والقضائية، الحكومية وغير الحكومية، من جانب بعض الأطراف الإقليمية والدولية، بما يحول دون صدور أحكام أو اتخاذ مواقف عادلة وموضوعية في هذه الملفات.
ثانياً: خطوات على الطريق:
سعياً نحو مواجهة جانب من هذه التحديات وتلك الصعوبات، وسعياً نحو تفعيل إدارة الملف الحقوقي في مصر في مواجهة الجرائم والانتهاكات التي تقوم بها السلطة العسكرية الحاكمة في مصر بعد الانقلاب العسكري، تبرز أهمية مجموعة من الإجراءات التنفيذية:
1ـ ضرورة الربط في إدارة الملف الحقوقي بين ابعاده السياسية والاعلامية، وهو ما يتطلب خطة استراتيجية واضحة يشارك في وضعها مسؤولو الكيانات السياسية والمؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية والناشطين الحقوقيين داخل مصر وخارجها.
2ـ تأسيس مرصد حقوقي مصري، مستقل، أو تطوير وتفعيل المراصد القائمة، يقوم على الرصد والتوثيق، ووضع خرائط للملفات والانتهاكات الحقوقية، وترتيبها وتصنيفها، وتوفيرها للجهات المعنية بشكل دقيق ومنظم يسهل التعامل مع والاستفادة منه.
3ـ تعيين عدد من المنسقين القانونيين والحقوقيين، أو الاتفاق مع بيوت الاستشارات القانونية والحقوقية في عدد من الدول الأوربية والولايات المتحدة، لمتابعة هذا الملف أو القيام على توجيه وتدريب وتأهيل القائمين على إدارته.
3ـ إعداد قوائم بالقوانين والتشريعات الدولية والإقليمية والوطنية التي يمكن الاستناد إليها في إدارة الملف الحقوقي، وفي تحريك الدعاوي وإثارة القضايا ضد المتورطين في هذه الانتهاكات أو المحرضين عليها.
4ـ الوقوف على آليات وإجراءات ملاحقة الشركات التي تورط اصحابها في الانتهاكات الحقوقية، أو التي دعمت هذه الانتهاكات، وكذلك ملاحقة الشخصيات المصرية المتورطة في هذه الانتهاكات والتي تحمل جنسيات أخري، أمام الهيئات القضائية في الدول التي يحملون جنسيتها، كوسيلة من وسائل تشديد الضغوط عليهم وعلى الشركات والهيئات التي يتبعونها أو يمتلكونها أو يديرونها.
5ـ وضوح الرؤية الاستراتيجية والأهداف الحقيقية من التحرك القانوني والحقوقي، وهل هو مجرد الحصول على أحكام بالإدانات أم الحصول على تعويضات، أم الاستفادة من إدارة هذا الملف في إدارة الملف السياسي وإسقاط النظام العسكري الحاكم في مصر بعد الانقلاب.
6ـ الشمول والتنوع في إدارة هذا الملف وعدم الاقتصار على الانتهاكات السياسية، بحيث يمكن توسيع الاهتمام ليضم الانتهاكات التي يتعرض لها العمال، وكذلك الانتهاكات في قطاعات التعليم والصحة، بل والانتهاكات التي يتعرض لها المتهمون الجنائيون في السجون، وغير ذلك من أطراف، بما يخلق حالة من الوعي الجماعي بترابط هذه الملفات وتشابكها، وخاصة أن من يقف خلفها جميعا فاعل مشترك.
7ـ وضع خريطة للمنظمات الحقوقية الدولية والعربية والإسلامية، وكذلك الوطنية، وتبني سياسة للتشبيك فيما بينها وتوزيع الأدوار وفقاً لمجالات اهتماماتها وانتشارها الجغرافي، والاستفادة مما تملكه من إمكانات وخبرات، بما يساهم في فاعلية الحركة وتوفير الوقت والجهد وتقليل التكاليف.
8ـ العمل على الفصل بين الانتماءات السياسية والانتهاكات الحقوقية، وإدارة بعض القضايا من منظور إنساني، لضمان الحصول على المزيد من الدعم والتأييد السياسي والحقوقي الداخلي والخارجي.
_______________________

*باحث مصري في العلوم السياسية

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه