مشهد عزاء آل سعود في آل خاشقجي!!

 

 

نشر الإعلام السعودي مشهدا يجمع فيه بعض آل خاشقجي مع الملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية، وولي عهده محمد بن سلمان، ليقوما بتعزية آل خاشقجي في وفاة الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ جمال خاشقجي، في مشهد نال تعليق الكثيرين على السوشيال ميديا، ما بين تعجب الجميع إذ كيف يذهب أهل الميت إلى سلطة تشير إليها أصابع الاتهام بصمتها عن مقتل ميتهم، إن لم تكن الإشارة إليهم بالضلوع في الجريمة، وهو ما يتحدث عنه كل الإعلام، تلميحا أو تصريحا. ولذا فالمشهد يذكرنا بعدة مشاهد، منها ما هو موجود في السينما المصرية، ونستدعيها من باب الإسقاط على ما نراه في الواقع، إذ كان خيالا سينمائيا ليتحول إلى واقع يعيشه الناس، وبين مشاهد قارنة في نفس الموقف ممن يعتبرهم الحكم السعودي – متمثلا في محمد بن سلمان – خصوما سياسيين، بل يضرب عليهم حصارا منذ عام ونصف.

فيلم شيء من الخوف

مشهد العزاء، ونظرات محمد بن سلمان لابن جمال خاشقجي، ونظرة ابن المرحوم له، كانت نظرات لا تخفى على المتأمل؛ من تساؤلات، وربما تعجب، فبعد كل هذه المدة بدأ يظهر ولي عهد السعودية ليقدم التعازي لابنه وأخيه، وهو ما استدعى مشهدا سينمائيا من فيلم: (شيء من الخوف) الذي كتبه الأديب الراحل ثروت أباظة، والذي كان كل ما فيه إسقاط على جبروت عبد الناصر، وحكمه المستبد للشعب المصري، متخذا من شخصية (عتريس) الذي جسد شخصيته الفنان محمود مرسي، الذي كان لا يتورع عن قتل أي مخالف له، ومن لا يرضخ ويرضى بحكمه والانصياع التام له.

في أحد المشاهد يقوم (عتريس) بقتل أحد خصومه، وفي اليوم التالي لا يتورع من الذهاب إلى سرادق عزاء القتيل، ويقدم التعازي لأخ القتيل، وإذ بالأخ يهمس بصوت مسموع لعتريس بمثل مصري يقول: يقتل القتيل ويمشي في جنازته!! فيسمعها عتريس، ويعقب تعقيبا يعبر به عن شخصية كل مستبد، يفعل نفس فعلته، فقال له عتريس معقبا وساخرا: (وفي جنازة أخوه وحياتك)!!

والمشهد السينيمائي الآخر الذي يعبر عن هذه الحالة، والتي لا تتعجب لو رأيت غدا كلاما معلنا على لسان أي فرد من أسرة خاشقجي بأنهم قد عفوا وتنازلوا عن دمه، تحت أي باب، سواء كان بابا شرعيا أم وطنيا، أما المشهد المعبر عن هذا المتوقع، فهو مشهد من فيلم: (المواطن مصري) وهو من تأليف الأديب يوسف القعيد، والذي كتبه في الأصل تحت عنوان: (الحرب في بر مصر)، وتحول لفيلم سينيمائي.

وملخص القصة: أن عمدة البلد أراد إعفاء ابنه من أن يشارك في حرب اكتوبر 1973، فزور في الورق، وقدم شخصا آخر باسم ابنه، فاستشهد المواطن، وكان اسمه مصري، وتم اكتشاف الأمر، وجاءت لحظة تسلم والد الشهيد لجثمانه، فتم مساومته من العمدة، ليعترف بأن الشهيد ليس ابنه، بل هو ابن العمدة، وهو ما حدث وتم التنازل ليكتب اسم الشهيد تحت اسم ابن العمدة، ولكن الجثمان جثمان ابن الفقير الفلاح البسيط!! العجيب في الأمر: أن الأديب يوسف القعيد، مؤلف القصة، لم نقرأ له، أو نسمع عن أي كلام يخص موضوع الصحفي المغدور به الأستاذ جمال خاشقجي، ولا خالد منتصر، ولا فاطمة ناعوت، ولا غيرهم!!

حتى لا يقعوا في المحظور

أما المشهد الذي لم تخطئه العين، فهو مشهد ذهاب أسرة الشهيد لأسرة آل سعود، لتقدم أسرة الميت العزاء، وهو مشهد مستهجن دينيا وعرفا وخلقا، فالعزاء يقدم لأهل الميت، ربما ستجد شيخا من شيوخ السلطة يفتي بأن العزاء يقدم لأهل الميت خلال مدة ثلاثة أيام فقط، ولكن مضى ثلاثة أسابيع، وطويل العمر لم يرد مخالفة السنة فيعزي بعد ثلاث، فالحديث النبوي يقول: “لا عزاء بعد ثلاث”، وعملا بهذه السنة طلبوا أهل الميت أن يذهبوا إليه، حتى لا يقعوا في محظور شرعي!!!

هذا المشهد ذكرني بمشهد عزاء الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الأمير الوالد لدولة قطر، والذي توفي معلم مصري درسه قديما، فبلغه وفاته، فركب طائرته ونزل مصر خصيصا، دون زيارة رسمية لمصر، فقط ليعزي أسرة مدرس مصري توفي، وهو ما شهدته بنفسي من قبل فقد أرسل أحد أبنائه ليعزي في وفاة مرشد الإخوان الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله في طائرة خاصة.

المقارنة هنا أصبحت واجبة بين فعلين، وقد كان الأولى عزاء أهل خاشقجي في بيتهم، ولكن يبدو أنهم خشوا من أن آل خاشقجي لم ينصبوا سرادقا للعزاء أصلا، فلا جثة، ولا دفن، ولا مراسم، ولا معلومات حقيقية صادرة من السلطات السعودية حتى الآن عن مصير جثمان خاشقجي، الذي تحول الحديث عنه وعما حدث فيه إلى أيقونة تنطلق في كل مكان للحديث عن جبروت السلطات وإجرامها مع البشر، وبخاصة أصحاب الأصوات والأقلام. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه