“مسعود أوزيل”.. اندماج كاذب وعنصرية متفشية!

إن إشارة مسعود إلى وقوعه في فخ التمييز العنصري، وإنهم يعتبرونه في حالة الفوز ألمانيًا، وفي حالة الخسارة تركيًا، هي إشارة خطيرة جدا.

فجرت أزمة استقالة اللاعب مسعود أوزيل من اللعب مع المنتخب الألماني، أزمة حادة، وجدل واسع النطاق داخل المجتمع الألماني، ليس بسبب تراجع مهارات اللاعب الكروية في مونديال روسيا فحسب، بل بسبب العنصرية، وجذور اللاعب التركية، والتشكيك في انتمائه لألمانيا التي يحمل جنسيتها.

مسعود الذي ينتمي إلى الأصل التركي، نشأ وترعرع في ألمانيا،  وبات ألمانيًا يحمل جنسيتها ويدين لها بالولاء،  وكأي مهاجر ساعدته ألمانيا في النجاح.
 لكن نجاح مسعود رياضي يخضع للصعود والهبوط مع فرقته،  ولا يتحمل أسباب الخسارة وحده،  إلا أن  اتحاد الكرة،  ورئيس نادي بايرن،  ورئيس اتحاد الكرة الألماني،  ومدير المنتخب الألماني، ينتقدونه بشدة،  ويقولون إنه يلعب بدون روح وإنه أحد أسباب خروج ألمانيا من الأدوار الأولى للبطولة العالمية، رغم أنه كان واحدا من أفضل اللاعبين في  مونديال 2014 الذي فازت به ألمانيا وكان وقتها بطلا في عيون الألمان ولم ينتقده أحد.

يعيش اللاعب التركي الأصل الحياة العصرية كأي شاب ألماني، وهو لا يجد تعارضاً بين أصله التركي، وديانته الإسلامية، وجنسيته الألمانية، فهو يقول دائما إن صدره يتسع لقلبان: أحدهما تركي والآخر ألماني، وربما كان ذلك هو واحد من العوامل التي ساعدت اللاعب في بناء استقراره النفسي وحفاظه على مستواه، حاله كحال كثيرين من الجاليات المسلمة المهاجرة فى ألمانيا التي تعمل عائلاتها على غرس القيم والانتماء فيها.

إن إشارة مسعود إلى وقوعه في فخ التمييز العنصري، وإنهم يعتبرونه في حالة الفوز ألمانيًا، وفي حالة الخسارة تركيًا، هي إشارة خطيرة جدا، خاصة أن الرياضة لا تعرف العنصرية؛ فالرياضة مجال مفتوح تبرز فيه الموهبة التي تعجب الناس، ولا يكون هناك مجال للعنصرية فيها.
أحد الأمثلة على ذلك هو المنتخب الفرنسي الذي يضم 19 لاعباً من أصل أجنبي في قائمة 23 لاعبا، ً كذلك المنتخب البلجيكي الحائز على المركز الثالث بالبطولة ذاتها.

جماح العنصرية

الحقيقة أن السلطات الألمانية لم تفلح على الإطلاق في خلق أجواء اندماج ناجحة للمهاجرين فيها، وهي كذلك لم تستطع كبح جماح العنصرية المتفشية بشكل خطير أيضا، انظر إلى دهاليز السياسة والصدامات المتكررة دائما بين المستشارة ميركل ووزير خارجيتها هورست زي هوفر حول مسالة اللاجئين ورغبته في ترحيلهم في حين أن ميركل تأخذ مسارا عكسيا له.

إن تداعي قصة أوزيل مع العنصرية ودخولها عالم الرياضة في ألمانيا من شأنه أن يزعج السلطة الحاكمة، لهذا سارعت المستشارة بتصريح عبر المتحدثة الرسمية أثنت فيه على اللاعب وعلى تجربة اندماجه في المجتمع الألماني.

الاندماج عادة لا يأتي من طرف واحد، أو كما تريد ألمانيا، فالمجتمع والدولة مسؤولان عن الاندماج وكلاهما يجب عليه المساهمة بجدية في تحقيق الاندماج، خاصة أن هناك 30 % من الشباب الألماني هم من أصول مهاجرة، وهم في حاجه ماسة إلى اندماج حقيقي في المجتمع.

إذا نظرنا إلى الصحافة والإعلام في ألمانيا سنجدها لا تساهم في عملية الاندماج، ولا هي راغبة حتى في تمهيد الطريق للاجئين والمهاجرين من أجل اندماج ناجح كما يحدث في فرنسا وهولندا وبريطانيا.
الصحافة الألمانية شديدة التركيز على الأفعال السلبية للمهاجرين، وهي تعتبر أن كل عمل فردي يقع من المهاجرين يجب تعميمه عليهم جميعا.
من ناحية أخرى يصبح المهاجرون هم أيضا ضحية للسياسيين الألمان في المواسم الانتخابية إذ تصبح التجارة بالهجرة والمهاجرين هي الموضوع الرئيسي في برامج المرشحين.

ضد المسلمين والمهاجرين

لاشك أن تصاعد التيارات اليمينية، ونجاح حركة بيجدا المتطرفة في تنظيم  مظاهرات أسبوعية متكررة ضد المسلمين والمهاجرين، ووصول حزب البديل اليميني المتطرف إلى مقاعد البوندستاج.
كل ذلك  أطاح بالوجه الخجول للعنصرية، فأصبحت تمارس جهارا  نهارا، وهي التي استغلت صورة الرئيس رجب طيب أردودغان مع مسعود أوزيل لتصب الزيت علي النار بسبب كراهيتها للرئيس التركي، فأقحمت السياسة في الرياضة، رغم تصريحات أوزيل المتكررة: أن صورته مع الرئيس ليس لها علاقة بالسياسية.
ثم أليست المستشارة الألمانية نفسها تأخذ صورا مع الرئيس التركي؟،  لقد شهدنا جميعا ميركل وتيرزا ماي وأردوغان وهم يشاهدون معا نهائي البطولة أثناء انعقاد مؤتمر دول حلف الناتو الأخير.

التعددية إضافة قوية للمجتمع الألماني، ويجب على ألمانيا ألا تتضايق ولا تنزعج من ازدواج الانتماء لأنه من الصعب بل من المستحيل أن يتخلى أي إنسان تجنس بالجنسية الألمانية عن انتمائه لبلده الأصلي، فالأصل في الازدواج هو عدم الإضرار بالانتماء، وهو تأكيد على تحمل الشخص مسؤولياته والالتزام بالقوانين، والمهم في كل ذلك هو مساعدة الناس على الاندماج وتقوية أواصر الارتباط مع الجذور.

لا أعرف لماذا تصر ألمانيا على اقتلاع جذور المهاجرين المتجنسين بجنسيتها بوضع شرط الجنسية مقابل التخلي عن الجنسية الأصلية، فيصبح المهاجر رغم ذلك، ورغم جنسيته الألمانية مهاجر في ألمانيا، وألماني في وطنه الأصلي.

كانت حطاماً

عبر التاريخ الألماني لعب المهاجرون أدورا مهمه في نجاح ألمانيا، أهمها دورهم في المعجزة الاقتصادية الألمانية، فبعد الحرب العالمية الثانية كانت ألمانيا حطاما، فأتى الأتراك والإيطاليون واليونانيون والبرتغاليون وبعض الجنسيات الأخرى المتفرقة يعملون ويكدحون فيها حتى تحققت معجزة ألمانيا الاقتصادية.

يجب التأكيد على أن المهاجرين في ألمانيا لا يسعون ولا يرغبون في الانعزال، لكن عندما يشعرون بعدم رغبة ألمانيا في إذابتهم في المجتمع الجديد، فيصبح الانعزال أمرا ضروريا وليس خيارا للمحافظة على الكرامة الانسانية للمهاجرين.

في النهاية، المهاجرون اختاروا الوطن الجديد ألمانيا، وهم فخورون به، يعملون، ويكدون، ويدفعون الضرائب، لهذا يجب على ألمانيا أن تساعدهم في الاندماج، وأن تقبلهم ألمانا دون التشكيك في انتمائهم لوطنهم الجديد وأن تفتح أمامهم الأبواب من أجل الحفاظ على وحدة ألمانيا.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه