مسرحية “عهد التميمي”!

بالعودة إلى اعتقال عهد التميمي يرى الناظر بعينٍ حيادية أنّ الأمر لم يعدو كونه مسرحية أو فيلماً سينمائياً أخرجته إسرائيل ببراعة معتمدة على الصبية المتحمسة.

 

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لا شكّ أنّ من صمّمه سوري كاره لنظام الأسد، وقد فعل ذلك بنية طيبة. الفيديو مقارنة بين عهد التميمي ومعتقل سوري خرج من سجون النظام. تظهر عهد وهي تتحدث عمّا كانت تفعله في السجن، كانت تروي أنّهم كانوا يغنون ويرقصون لمقاومة الإحساس بالسجن.. وبالمقابل تظهر المعتقلة “منار جابر” التي ظهرت على تلفزيون سوريا ببرنامج “يا حرية” تتحدث عمّا جرى معها في المعتقل.

لا شكّ أنّ ما جرى مع منار جابر مأساوي ويفضح آلة القتل الوحشية المهيمنة في النظام السوري. ولم تكن منار جابر الأولى ولا الأخيرة، وما يجري للنساء في المعتقلات تعرفه الناجيات اللواتي خرجن وبقين صامتات خشية العار الذي سيلحق بهن من النظرة غير السوية لذكور مجتمعنا الذين لم تطهرهم الحرب في سوريا على الرغم من مُضي سبع سنوات عليها.

سبع سنوات عجاف وما زال معظم الشباب السوريين ينظرون للمعتقلة نظرة مرتابة ومريبة كما كانوا ينظرون قبل الثورة للمطلقة وكأنّها اقترفت جريمة وركبها العار جراء فعل حلّله الشرع الإسلامي.

اعتقال أشبه بمسرحية

بالعودة إلى اعتقال عهد التميمي يرى الناظر بعينٍ حيادية أنّ الأمر لم يعدو كونه مسرحية أو فيلماً سينمائياً أخرجته إسرائيل ببراعة معتمدة على الصبية المتحمسة التي صفعت الجندي الإسرائيلي فأصبحت بين ليلة وضحاها رمزاً للمقاومة وأيقونة للقضية الفلسطينية والنموذج للمعتقلة الحرّة.

الكادر كان جاهزاً، الجندي الإسرائيلي “المتحضر الديمقراطي” لم (يشحط) عهد التميمي من شعرها، لم يجرها على الأرض، لم يضع حذاءه العسكري فوق صدرها.. عاملها بكلّ أدب وتحضر، سيقت إلى المعتقل، حوكمت، سجنت، خرجت من المعتقل، كلّ ذلك ولم تتغيّر تسريحة شعرها!

لم تصب بالصرع، ولا الفصام، ولا الجنون، لم تخرج هزيلة وعيونها غائرة، ولم تظهر آثار التعذيب على جسدها..

هل كان ذلك مجرد صدفة؟ أم أنّ إسرائيل “الديمقراطية” تعامل معتقليها بأسلوب متحضر؟

الواقع أنّ إسرائيل حضّرت لإنتاج فيلم اعتقال عهد التميمي ولن يضرها أبداً أن تصبح أيقونة وأن ترسم صورها على جداريات وأن يخرج العالم بأسره ليطالب بإطلاق سراحها؛ لأنّ إطلاق سراحها أمر مفروغ منه بل محضّر له قبل اعتقالها والهدف تلميع صورة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي.
ليس المخرج شخصاً غريباً فهو متابع لحسابات معظم العرب على الفيس بوك كما يتابعه آلاف العرب، ويقوم بتهنئتهم بالمناسبات الدينية والقومية ولم ينقصه إلا أن يقدم التهنئة للمسلمين بمناسبة طهور أبنائهم والمشاركة في أعراسهم.

وبكلّ بساطة ترك لعهد التميمي المجال لتخرج بقصيدة مديح للسجون الإسرائيلية، فهي لا تمنع المعتقلين من الطعام والشراب والغناء والرقص! وهم داخل السجن يفعلون كلّ ما يرغبون به.. وسابقاً أظهرت إسرائيل وجهها المشرق من خلال المعتقل أو “عميد المعتقلين” سمير قنطار الذي خرج من سجون الاحتلال وقد أكمل تحصيله العلمي وزاد وزنه وأشرق وجهه كما لو أنّ إسرائيل كانت متفرغة لتعليمه وتقديم العلف له.

وبالبساطة نفسها أيضاً وقع السوريون في الفخ، وتداولوا صور عهد التميمي وأحاديثها وأشادوا بإسرائيل وسجونها وطريقة معاملتها للسجناء وذهبوا أبعد من ذلك حين صاروا يقارنون بين ما جرى للمعتقلين السوريين الذين ماتوا تحت التعذيب وما جرى لعهد..

لم تصفع منار جابر ضابطاً في المخابرات السورية، ولم تفعل صديقتي باسمة ذلك ولم تستطع ابنة أخي رفع رأسها حين صفعها ضابط المخابرات أثناء التحقيق حتى جرى الدم من فمها..

مع ذلك لم تصبح باسمة أيقونة ولم يرسم أحدٌ صورتها.. ربّما لم يفعل أحد شيئاً لأجلها سوى الدعاء، ولم أفعل أيضاً شيئاً، كنت فقط أحسّ بالعجز، وفقط وضعت صورتها “بروفايل” بدل صورتي الشخصية على الفيس بوك!

دليل دامغ

الدليل على أنّ الفيلم إنتاج إسرائيلي موجود وجاهز، لماذا عهد التميمي وليس دارين طاطور مثلا؟ لماذا اختيرت عهد التميمي مع أنّ تهمتها لم تكن أكثر أهمية من التهم الموجهة إلى نساء فلسطينيات أخريات قضين مددا طويلة في السجون الإسرائيلية؟

قد يأتي الجواب؛ لأنّها طفلة. حسناً إذا كانت الطفولة هي المقياس وسلّمنا أنّ الأمر ليس مسرحية ولا يتعلق بالوجه الجميل للمعتقلة، فماذا بشأن الطفل محمد خضير الذي خطف وأحرق من قبل ستة أشخاص إسرائيليين عنصريين صبوا على جسده البنزين وأحرقوه حياً والعدالة الإسرائيلية المتمثلة بالمحكمة أطلقت سراح المجرمين بحجة أنّهم قاصرين، أمّا الشخص الذي خطّط للجريمة فقيل إنّه يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية! هذه هي العدالة الإسرائيلية، وهذه هي المحاكم، وهكذا تحضّر الأفلام والمسرحيات لتكون إسرائيل دائماً الوجه المشرق للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط التي تعج بالطغاة والقتلة والجهل والتخلف.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه