مسرحية أبو الفتوح وهشام جنينة

شغلت عن مواكبة الأحداث يوما واحدا ففاتني التعليق على اعتقال المستشار هشام جنينة، ولما هممت بتدارك ما فات وجدت دفة الأحداث قد تحولت إلى الحديث عن اعتقال د. عبد المنعم أبو الفتوح، بعد أن تم إيداع الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري السابق في السجن الحربي، الذي سبقه إليه العقيد أحمد قنصوة الذي حكم عليه بخمس سنوات بتهمة نية الترشح، بما يؤكد أن المرحلة يحكمها سعار السلطة الذي جعل العقور ينهش كل من يتراءى أمامه، وإن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث!    

لكن العنصر الثابت في المعادلة هو أولئك النفر الذين لا يملكون إلا القول بمسرحية الأحداث، وأحسب أنك لو سألت واحدا منهم عن حقيقة زواج أبيه بأمه لما غير إجابته وأنه يلعب دور الابن في مسرحية والديه!

أي ستار كثيف يحول بين هؤلاء وبين رؤية الواقع بعيدا عن التحليق في الخيال المسرحي؟

لزوم الطبخة

فقد اعتبروا إقالة هشام جنينة بعد كشفه الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة مسرحية لتلميعه، ولما تم التنكيل بأسرته قيل هذا زيادة في اللمعان، ومع محاولة القتل والضرب المباشر في العين وغيرها اعتبر هذا أيضا زيادة في الحبكة وبهارات لزوم الطبخة!

أما د. أبو الفتوح فله شأن آخر، فالعسكر والتيار المدني يعتبران الانتماء إلى الإخوان جريمة لا تسقط بالتقادم، ويتعاملون معه من هذا المنطلق، أما التيار الإسلامي فغالبه يرى أنه شق عصا الطاعة وقاد سربا ينافس السرب.

ومع أن د. أبو الفتوح أبصر الحل مبكرا وعوقب على سبقه لكنه خدع بالعسكر متأخرا، ولا أدري كيف غاب عن فطنته وسابقته أن العسكر لا يعرف الثورة ولا يؤمن بها وأنه اتخذ كل من وافق على ٣٠ يونيو مطية للوصول إلى انقلاب ٣ يوليو، وهذا يدلل على أن د.أبو الفتوح مازال إسلاميا حتى النخاع كما يعتقد العسكريون والمدنيون، والدليل أنه لدغ من جحر العسكر مرارا على سنة شيوخه وأسلافه!

وإذا كان أبو الفتوح وقع في خطيئة الجلوس مع العسكر والتنسيق معهم فمن كان بريئا من ذلك فليرمه بحجر.

عصا الطاعة

لك أن تختلف مع الرجل ولا تقبل طريقته في السياسة أو منهجه في الإصلاح، لكن أن تهيل التراب على تاريخ زاخر بالمواهب والمواقف فهو عين الغبن وقمة الإجحاف،  بداية من رئاسة اتحاد طلاب مصر ثم وقفته الشهيرة وصدعه بالحق أمام الرئيس السادات، وكان طليعة الرعيل الذي أعاد الصحوة الإسلامية في الجامعات وأسس لنشر الدعوة والعمل الجماعي للنهوض بالوطن والأمة، وكان رمزا في الجيل الذي جعل من نقابة الأطباء صرحا في العمل النقابي والإغاثي وحاضرا بقوة داخليا وخارجيا، ثم ترقى تنظيميا داخل جماعة الإخوان المسلمين حتى أصبح عضوا في مكتب الإرشاد وهم أهل الحل والعقد في الجماعةوبعد فصله لتمسكه بخيار الترشح لرئاسة الجمهورية (الذي عادت إليه الجماعة وقررت متأخرا خوض غماره لكن بقيت غصة المخالفة في حلق التنظيم الذي لم ينس له الخروج عن السمع والطاعة ومخالفة أمر الجماعة) استطاع أن يكون منافسا قويا ورقما صعبا في انتخابات الرئاسة ولم تتفوق عليه الجماعة بفارق كبير !ومع ذلك لم يفجر في الخصومة كديدن عامة من خرج من جنة التنظيم، إذ غالبا ما يعاني هؤلاء من فصام حاد وتشوهات فكرية ورغبة في الانتقام.

أما أبو الفتوح فقد استطاع أن يحصر خلافه مع الإخوان في الإطار السياسي ولذا خرج ضدهم مع من خرج في ٣٠ يونيو لكنه سرعان ما قفل راجعا، وأعلن رأيه وصرح بأنه انقلاب ولا يمت إلى عالم الثورة بصلة. لكن البعض لا يقبل إلا أن نكون نسخا مكررة من بعض، ولا يؤمن بالعمل في حدود المساحات المشتركة لتحقيق الأهداف الكبرى والكليات، وإن اختلفنا فيما سواها من الفرعيات وطبقوا نظرية بوش أكثر من بوش نفسه: فإما أن تكون معي ومن خلفي وإلا فأنت من جملة أعدائي.

وأصبحت سياسة الاستكثار من الأعداء هدفا مشروعا وأصلا من أصول المحافظة على الشرعية! بدل أن نكون جبهة واحدة في مواجهة عدو نفسه ووطنه والناس أجمعين، يبدو أن خبيئة من عمل صالح أو صدق نية في اجتهاد وإن لم يكن صوابا، هى ما أعاد د.أبو الفتوح إلى واجهة المشهد وإلى مكانته في الصدارة فتمايز عن عصابة الحكم وقطاع الطريق.

إن جثة الانقلاب تعفنت ونحتاج إلى كل مسمار يدق في نعشه، فلا تعينوا الشيطان على أخيكم، ومن رحمة الله أن مفاتيح التوبة ليست في أيديكم، بل إن ما تعدونه مسرحية هو ما حرك الماء الراكد الآسن، وأظهر خور العاجز الفاشل وأنه يخاف من ظله، ويبحث عن حتفه بظلفه.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه