مستهدفات موازنة السيسي لا تتحقق

فأداء الحكومة خلال السنوات الماضية، خلال فترة ما بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، يتسم بعدم المصداقية من جهة، ومن جهة أخرى ضعف أدائها التنموي.

 

تبقى المصداقية في الأداء الحكومي، طالما عبرت تقديرات بياناته الاقتصادية عن أداء حقيقي، ولكن يلاحظ أن ثمة محموعة من المؤشرات الاقتصادية تكشف عن سوء التقديرات المقدمة من الإدارة الاقتصادية بمصر، وبخاصة تلك المتعلقة بالموازنة العامة للدولة، ومن أبرز تلك المؤشرات: ما يتعلق بنسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي، أو قيمة الديون المستخدمة سنويًا، أو حتى نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وتأتى خطورة هذا الأمر من أن المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب، يفقدون الثقة في البيانات الاقتصادية الحكومية، ويكون لديهم تصور سلبي تجاه السلوك الاقتصادي للحكومة، وهو ما انعكس على أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمصر، فهي لا تتعدى في أحسن الأحوال 7.6 مليار دولار سنويًا، وهو معدل لا يلبي طموحات حكومة الانقلاب، نظرًا لتعويلها الشديد على جذب تلك الاستثمارات لتحقيق التنمية بمصر.

مبالغ فيها

وبعد أن تقدمت الحكومة لمجلس النواب بمشروع الموازنة للعام المالي 2018-2019 نجد أن هناك مستهدفات مبالغ فيها، شأن كل عام، مثل معدل نمو الناتج المحلي، والذي قدره مشروع الموازنة بنحو 5.8%، وكذلك العجز بالموزازنة كنسبة من الناتج المحلي، والذي قدر عند نسبة 8.4%.

وهذه النسب لا يُتوقع تحقيقها في ظل المناخ الاقتصادي المحلي الذي يعاني من ركود منذ سنوات، ويرصده تقرير بنك دبي عن أداء القطاع الخاص غير النفطي، والذي أشار إلى استمرار الركود على مدار السنوات الثلاث الماضية، وحتى مارس/آذار 2018، باستثاء شهر فبراير/شباط، الذي اقترب من حاجز 49 درجة، وحسب قواعد المؤشر فإن كل تقدير أقل من 50 درجة يعد في حالة ركود، وأن الرواج يكون بتجاوز حاجز الـ 50 درجة.

كما أن المناخ العالمي، بحسب البيان المالي لمشروع موازنة 2018-2019، يحمل مؤشرات تشاؤمية تجاه حركة التجارة العالمية، وهو ما سيؤثر على أداء قناة السويس التي تعاني من تراجع إيراداتها منذ 2014.

ونستطيع أن نبرهن على عدم وفاء حكومات بعد الانقلاب بما تستهدفه في الموازنة العامة للدولة، من خلال مقارنة ما تم في العام المالي الحالي 2017-2018، وهي بيانات دونت بالبيان المالي لموازنة 2018-2019 للاطلاع على أداء الاقتصاد المصري خلال العام المالي الحالي.

والبنود المذكورة في الرسم البياني أعلاه على سبيل المثال لا الحصر، فمخصصات الباب الثاني لشراء السلع والخدمات، يتوقع أن تكون أقل من المستهدف بـ 4 مليارات جنيه، وهو ما يعني أن المؤسسات التابعة للموازنة تأثر أدائها سلبيًا بهذا المبلغ، وحرمان المواطن من مستوى خدمة جيد بهذه المؤسسات، سواء كانت هذه المؤسسات تعمل في إطار التعليم أو الصحة، أو البنية الأساسية، أو الإدارة الخدمية الحكومية.

تتجاوز المستهدف

أما بند الفوائد والذي يمثل الباب الثالث بالمصروفات في الموازنة، فيتوقع البيان المالي أن تتجاوز المستهدف  بنحو 57 مليار جنيه، وهذه دلالة سلبية، على الأداء الاقتصادي، في ظل تسارع معدلات الدين العام وتجاوزه نسبة 124% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2017-2018، ويعد أمرًا سلبيًا من جهة أخرى، لكون الحكومة تفقتد للموارد الذاتية وتعتمد على الديون في مصاريفها التشغيلية والواردة بالموازنة.

وفي الباب السادس الخاص بالاستثمارات، فنجد أن التوقعات تعكس تراجعًا بنحو 24 مليار دولار، وعلى الرغم من أن الاستثمارات بالموازنة بعيدة عن الجانب الإنتاجي، وتركز بشكل رئيس على الإنشاءات والمباني السكانية وغير السكانية، إلا أن ترجعها بنسبة تصل إلى 17%، يعطي دلالة على أن معدلات النمو المستهدف على صعيد الاقتصاد القومي لن تتحقق هي الأخرى.

وعلى جانب الإيرادات نجد ملمحين سلبيين هما: أن الإيرادات المتوقعة من الإيرادات الأخرى بخلاف الضرائب، ستتراجع بنحو 41 مليار جنيه، وهو ما يعني أن الإيرادات التي استهدفت من الشركات والهيئات الاقتصادية والبنوك وغيرها المملوكة للدولة، لم تنجح في تحقيق خطتها المستهدفة. بينما المتوقع على صعيد الضرائب أن تتجاوز المبالغ المستهدفة بنحو 21 مليار جنيه، في وقت تعاني فيها البلاد من حالة ركود، ويعد ارتفاع معدلات الضرائب عبء على المستهلك والمستثمر، مما يعني أن صانع السياسية المالية غير معني بالتنمية، وإنما يعنيه الجباية من أجل تمويل عجز الموازنة. 

وتكشف أخر المؤشرات بتوقعات 2017-2018 سوء تقدير الحكومة بالموازنة، وذلك فيما يتعلق بقيمة العجز، إذ بلغ التجاوز في العجز المستهدف بنحو 59 مليار جنيه، مما يعني أن الحكومة أساءت إدارة الموارد، واضطرت لزيادة التمويل بالدين بهذه القيمة.

عدم المصداقية

ويستدل مما سبق على عدم أخذ ما ورد في البيان المالي لمشروع الموازنة الجديدة لعام 2018-2019 مأخذ الجد، فأداء الحكومة خلال السنوات الماضية، خلال فترة ما بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، يتسم بعدم المصداقية من جهة، ومن جهة أخرى ضعف أدائها التنموي، وهو ما نلمسه في شكوى المواطنين، واستمرار ظواهر اجتماعية شديدة السلبية مثل البطالة، والفقر، واستمرار الغلاء، وزيادة أعباء المعيشة على المواطنين، وبخاصة الشرائح الفقيرة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه