مراجعات شباب الإخوان هل تؤتي أكلها؟!

في أعقاب الانتكاسات والهزائم عادة ما تتفجر أسئلة كبرى، تطرح تساؤلات عميقة، حول كل شيء، بداية من الأفكار التأسيسية، مروراً بالنواحي الإدارية والتنظيمية والرؤية الاستراتيجية والقرارات التكتيكية، وصولاً إلى البحث في جدوى الاستمرار، أو محاولة البحث عن تأسيس جديد يعطي مشروعية للاستمرار.

هذه الحقيقة لا تستثني أحداً، فقد مرت بها الأمم والشعوب والأنظمة الحاكمة والتنظيمات، بل حتى الفرق الرياضية لا تسلم منها، فما من فريق يتعرض لهزة إلا وسارع في البحث عن بناء ذاته من جديد.

لذا لم يكن مستغرباً ما نشرته جريدة الشروق القاهرية في عددها الصادر الخميس ٢٤ أغسطس، عن لقاء تم “بطريقة ما” داخل سجن الفيوم العمومي مع مجموعة من شباب جماعة الإخوان المسلمين أجروا “مراجعات فكرية وسياسية لجميع مواقف ومناهج الجماعة، تناولوا خلالها نقدا لأفكار الجماعة وأدبياتها، وامتدت إلى مبادئ مؤسس الجماعة حسن البنا” حسب وصف الجريدة.

ملاحظات عدة لابد وأن تستوقف الباحث والمتابع، أولها أن الرؤية التي يطرحها هؤلاء الشباب، لم تكن بدافع خلافات تنظيمية، أدت إلى إخراجهم من الجماعة ومن ثم شرعوا في الانتقام منها ومن مسؤوليها عبر قصص وحكايات شخصية أكثر منها موضوعية كتلك التي نتابعها فيما يكتبه نائب المرشد السابق/ محمد حبيب، أو ثروت الخرباوي عن مكتب الإرشاد وحكاياته، لكن هذه المجموعة كما يقول أحد أفرادها ” بدأت ممن كانوا ينتمون تنظيميا إلى الإخوان، وكان قرار خروجنا من الجماعة عقب قيامنا بتقييمات للأداء الإخوانى الذى اتسم بالهزائم المتكررة، وهو ما دفعنا للبحث في القناعات الخاطئة”

إذن الأداء وليس الشخص، كان هو المؤثر هنا في عملية البحث والمراجعة والتدقيق، وهو أمر متوقع في ظل ما تمر به الجماعة، إذ أن انتقالها من قصور الرئاسة إلى السجون والمنافي، كان لابد وأن يحدث هزة قوية داخل الصف، تدفعهم إلى البحث عن أسباب الفشل، خاصة وأن شحناً تربوياً ظل لعقود يلح ويؤكد على ربانية الجماعة، وتفوق القيادة، إضافة إلى أن الفشل أتى سريعاً بعد عام واحد فقط من حكم الجماعة!

نقد يطول أفكار المؤسس نفسه

وعلى خلاف ما دعا إليه تيار تجديد آخر، كان قد دعا منذ فترة إلى عودة الجماعة إلى أفكار ورؤية مؤسسها الأستاذ حسن البنا، فإن ما يطرحه هؤلاء الشباب يتجاوز ذلك ويصل إلى نقد أفكار المؤسس نفسه، فبحسب طرحهم فإن الخلل يكمن في كون ” البنا أراد تنظيماً قوياً يحل بديلاً عن المجتمع، أو ــ في أحسن الظنون ــ أراد مجتمعاً داعماً لرؤيته ومسانداً لتنظيمه”

أيضاً من الأخطاء المنهجية من وجهة نظر هذه المجموعة ” بناء التنظيم بصورة شمولية غير متخصصة تتكرر بسببها الصراعات مع الأنظمة المتعاقبة؛ فتنظيم الإخوان مثلا به لجان وأقسام مختلفة”

وإذا كان الأمر كذلك فما الحل؟ يؤكد هؤلاء الشباب أن الحل يكمن في” المراجعة الفكرية الجادة للأفكار التأسيسية للجماعة، ومن ثم حل ذلك الكيان الشمولي وأن يستبدلوا به مؤسسات متخصصة مقننة تمارس أنشطتها وفق الدستور وتحت مظلة الدولة، وأن يدرك الإخوان جيدا أبعاد الواقع؛ فيكفوا عن التحليق في سماء الأماني والوهم”

المفارقة هنا أن هذا الطرح “الشبابي” يتشابه مع ما يطرحه الآن القيادي “المخضرم” في الجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد الذي يقرر أن ” الخطة القديمة بدعوة الشباب للالتحاق بصفوف الجماعة (او الجماعات) ثم تعليمهم منهج الجماعة ثم تنظيمهم في صفوفها واعتبارهم جنود معاركنا القادمة مع خصوم ديننا سواء كانت معارك عنيفة أو غير عنيفة.. هذه الفكرة لم تعد صالحة مطلقا.. بل لعلها لم تكن صالحة في يوم من الأيام”

ما يعني أن أمام حالة تفكير عميقة خاضها هؤلاء الشباب، أدت بهم إلى تلك النتائج التي يمكن النقاش حولها لاحقاً، وأن الأمر لا يمكن اختزاله في ضغوط السجن، أو استقطاب من الأجهزة الأمنية، كما يخطئ “البعض” ويطلق تلك الأحكام “المُعَلَّبة” التي قد يلجأ إليها التنظيم، تزامناً مع حالة “إنكار” قد نفاجأ بها لوجود تلك المراجعات أصلاً، وهي حالة كثيراً ما تتلبس “الجماعة” أمام التحديات الكبرى هروباً من استحقاقات المواجهة المطلوبة.

مفارقة أخرى لا تقل إثارة عن السابقة، ففي رحلة البحث والتدقيق اعتمد هؤلاء الشباب على مجموعة من الكتب والدراسات، كان من أكثر هذه الكتب التي ” مست جوهر مراجعات أفكار البنا كتاب (أزمة التنظيمات الإسلامية ـــ الإخوان نموذجا) للدكتور جاسم سلطان” وجاسم سلطان لمن لا يعرفه كان من قادة الإخوان في قطر، وانتمى إلى المجموعة التي أخذت قرار حل التنظيم في الدوحة، بعد مراجعات وتفكير امتدت لسنوات.

إذن نحن أمام حالة من المراجعات توصلت إلى هناك “خلط عجيب بين نصوص الدين المقدسة التي تخص الأمة، وبين أدبيات التنظيم؛ ذلك الاجتهاد البشرى المحدود، وكذا تقديس الأشخاص على حساب المبادئ”

مستقبل المراجعات ومأزومية الوضع

هل يمكن أن تعيد هذه المراجعات تجربة المراجعات الشهيرة التي خاضتها الجماعة الإسلامية قبل نحو عشرين عاماً؟

بالنظر إلى تجربة الجماعة الإسلامية، فإن ثمت فروقاً جوهرية تفرق ما بين التجربتين، فمراجعات الجماعة الإسلامية انطلقت من قمة التنظيم حيث مجلس الشورى الذي يحظى “مشايخه” باحترام كبير داخل صفوف الجماعة، لما لهم من وضعية تاريخية معروفة، واحترام يحظون به بعد مكوثهم حينها ( تم تفعيل المبادرة عام ٢٠٠١) قرابة عشرين عاماً في السجون،  عكس هذه “المراجعات” القادمة من أوساط شبابية غير معروفة حتى لكثير من الصف “الإخواني”، بل وبحسب ما نشرته الشروق على لسانهم فقد استقالوا  وخرجوا من الإخوان “بقرار لا رجعة فيه” ، الأمر الذي من شأنه إضعاف تجربتهم، إذ لن تعدو تجربتهم في نظر مجموع الصف الإخواني كونها “هرطقات” خرجت من أناس قرروا ترك الجماعة في لحظة ضعف وانكسار، وحاولوا التبرير لذلك القرار.

أيضاً فإن تجربة الجماعة الإسلامية وجدت اهتماماً واضحاً من الدولة بعد تأكدها من صدقيتها، وتيقنها من جدواها، حتى وإن طال أمد إخراج المعتقلين للعام ٢٠٠٦، حيث مهدت لها وزارة الداخلية بتحسين أوضاع السجون وإيقاف تنفيذ أحكام الإعدام، ووقف دهم منازل المعتقلين، وتوقف التصفية الجسدية، وإعادة دراسة ملفات المعتقلين … إلخ، أما الدولة الآن فليس من الواضح أنها مستعدة لكل ذلك، في ظل تردي أوضاع حقوق الإنسان غير المسبوقة، واتساع نطاق التصفية الجسدية، والاتجاه المتشدد نحو “عسكرة” الدولة والتخلص من أي صوت معارض حتى وإن كان يوماً ما محسوباً على معسكر السيسي ومؤيداً له.

لذا فإن المتوقع أن يتم استغلال تلك المراجعات، في المكايدة الإعلامية للإخوان، والتأثير السلبي على أفرادها، خاصة المتواجدين في السجون، رغم أنها تحمل رؤوس موضوعات، ومجمل أفكار مهمة كفيلة –حال فتح الحوار حولها- بتحريك الماء الراكد، ليس داخل جماعة الإخوان فقط، بل في مجمل الحركة الإسلامية.  

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه