مخدرات فكرية

متقولش إيه إدتنا مصر، قول هندي إيه لمصر

هذا مقطع من أغنية جاءت على لسان نائبة محافظ الإسكندرية التي تم إلقاء القبض عليها بتهمه الرشوة، في مقطع فيديو انتشر مؤخراً على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، أثناء لقاء لها يبدو أنه مع موظفين آخرين تحت رئاستها.

 يا للمفارقة، تلك العبارة بالذات جرت على لسان إحدى شاغلات إحدى الوظائف المرموقة قبيل سقوطها متلبسة بفعل العكس؛ فالنائبة التي اختارت ان تسأل نفسها عكس ما قالت فكان الأجدر أن تقول “متقولش هندي إيه لمصر، قول هننهب إيه من مصر”. فالنهب مباح ما استطاعت إليه سبيلاً، وهو أسلوب حياه يستحق سحق أحلام المصريين بالحياة بكرامة في وطنهم بعد ثورة كادت أن تقتلع النظام من الجذور لولا ما حدث (ما زالت الصفحة مفتوحة).

ليس غريباً

الفساد هدف، والفاسد لا يري نفسه غريباً وسط منظومة الحكم القائم والحق قد يجد نفسه غريباً إذا لم يمارس فعل الفساد.

 الأغاني الوطنية التي استشهدت الفاسدة بإحداها هي إحدى أدوات الفساد لدغدغة المشاعر الوطنية للشعب ، وألق نظره متأنية علي كلمات الاقتباس أعلاه ثم تدبر ما تعنيه الألفاظ لتكتشف بنفسك أنها كلمات جوفاء خالية من أي مضمون أو معنى حقيقي وهى عبارة عن خداع، والمصريون من أكثر شعوب الأرض غناء لأنفسهم، ولا عيب في الغناء في ذاته فهو فن رفيع، وإنما العيب هنا علي من يخدع الناس بوهم أنهم متفوقون والعالم كله ينظر إليهم بإعجاب وهذا غير حقيقي بالمرة، نحتاج أكثر ما نحتاج إليّ وقفه أمام مرآة أنفسنا لندرك ماذا فعلنا بأنفسنا وببلادنا ونقارن بين إسهامنا الحضاري في المجالات المختلفة، وبين إسهام أسلافنا أصحاب المجد الحقيقي الذين يحترم العالم مصر بسببهم، ونحن متأخرون عن العالم المتقدم قرونا طويلة ضاعت في الخنوع للحاكم ولو كان محتلا والصبر علي المكاره ولو علي حساب أجيال بعدنا، والتماس العذر تلو العذر لهذا وذاك.

المطلوب

المصريون لا يحتاجون إليّ أغان تمجد بلادهم ولو كذبا أعتقد أن العكس تماماً هو المطلوب، مطلوب نقد قاسِ جداً لأنفسنا على ما آلت إليه أوضاع حياتنا وبلادنا. مطلوب وبكل تواضع أن نفكر في طريقة نستحق بها فعلاً تلك العبارات التي نتغنى بها، ولنعلم أولاً بكل وضوح أننا في وضع لا ينُظر إلينا من خلاله على أننا “جيل بعد جيل متقدمين”.

النائبة واخواتها

كفاناً طنطنة بكلمات لا تعبر إلا عن شوفينية يريد البعض بها التغطية علي الفساد مهدراً كل قيم العمل الحقيقي المؤدي إليّ أي انجاز، مثل تلك النوعية من الأغاني ما هي إلا مخدرات فكرية لا نفع منها وبها كل الضرر ولا تُستخدم إلا من خلال سيادة النائبة وأخواتها، ونائبة المحافظ مثال بسيط لا حصري ليس فقط علي الفساد، فالأخطر من الفساد الفشل، وليست كفته عبد العاطي منا ببعيد، ومحافظ الرياح الشمالية الشهير مثال مضحك علي مسؤول حكومي وقياده مهمة سابقاً في الجيش وصدق من قال “تكلم حتي أراك” من منا كان يتخيل أن مسؤولاً سابقاً ولاحقاً تقلد كل هذه المناصب المرموقة يخرج منه توافه الكلم بهذا الشكل المهترئ، والأدهى أنه لم يشعر بفداحة كارثة ما تلفظ به، أعني مقولته الشهيرة “الرياح الشمالية الغربية تحمي مصر من أي خطر تهددنا به إسرائيل”. ولا يمكن الحديث عن الجهل من دون ذكر أولئك الذين يسمون أنفسهم ظلماً وعدواناً (خبراء استراتيجيين). وأعني بهم مجموعة لواءات سابقين علي المعاش تستضيفهم الفضائيات لهدف ما لا نعلمه يقينا، فتخرج التصريحات المضحكة الواحد تلو الآخر بأسلوب ركيك وتافه، والأمثلة عصية علي الحصر، فمن مجلس إدارة العالم الذي ادعي أحدهم وجوده للتحكم في الكوكب إلى اختلاق إنجازات علميه خارقة إلى إخراج اللسان كالأطفال(حدث بالفعل) من شخص بدرجة لواء سابق علي الهواء مباشرة بعد التفاخر أن خريج الهندسة في مصر يقود الدبابة  في فترة تجنيده.

 الحقيقة أن الكلام أعلاه قد يعتبره البعض إساءة للأشخاص المذكورين، وربما يصل البعض إلى ادعاء ما هو أكثر، ولا أري فيما كتبت إلا غيرة على وطني ورغبة في إصلاح الحال بوقفه مع النفس ومحاسبه على التكاسل في رفع رايته بالعلم والعمل والاجتهاد ولفظ الفسدة والجهلة والفاشلين.

تلك هي في نظري الوطنية الحقيقية التي تعلي من شأن مصر والمصريين، لا الطنطنة بكلمات حماسية لا تعبر عن الواقع بل تغيب العقول.

وعلي الله قصد السبيل.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه